أحيانا حتّى يغفل عن كلّ شيء ، ولا يشتغل إلّا بها ، ولذلك نقرأ في بعض الروايات عن أمير المؤمنين عليهالسلام حينما سأله بعضهم : أيّ الناس أثبت رأيا؟ قال : «من لم يغرّه الناس من نفسه ، ولم تغرّه الدنيا بتشويقها» (١).
ولكن ، ومع هذه الحال ، فإنّ في طيّات مشاهد هذه الدنيا الخدّاعة المختلفة ، مشاهد وحوادث ناطقة معبّرة عن زوال هذا العالم ، وكون زخارفه وزبارجه جوفاء خالية بأبلغ تعبير وأوضحه ، تلك الحوادث تستطيع أن توقظ كلّ إنسان عاقل ، بل وتجعل الأغبياء عاقلين حكماء.
ففي حديث : أنّ أمير المؤمنين عليا عليهالسلام سمع رجلا يذمّ الدنيا وكان يعدّها خدّاعة ، فقال عليهالسلام : «أيّها الذامّ للدنيا المغترّ بغرورها ، المخدوع بأباطيلها ، أتغترّ بالدنيا ثمّ تذمّها؟
أنت المتجرّم عليها ، أم هي المتجرّمة عليك؟
متى استهوتك؟ أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع امّهاتك تحت الثرى ...؟!
إنّ الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها ، ودار موعظة لمن اتّعظ بها ، مسجد أحبّاء الله ، ومصلّى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ، ومتجر أولياء الله ...» (٢).
٣ ـ هذه العلوم الخمسة مختصّة بالله
إنّ أسلوب الآية أعلاه يحكي أنّ العلم بالقيامة ، ونزول المطر ، ووضعيّة الجنين في رحم الامّ ، والأمور التي سيقوم بها الإنسان في المستقبل ، ومحلّ موته منحصر بالله ، ولا سبيل للآخرين إلى العلم بذلك ، إضافة إلى هذا فإنّ الرّوايات الواردة في
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ، وفقا لنقل نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، صفحة ٢١٧.
(٢) نهج البلاغة ، الحكم القصار ، جملة ١٣١.