الحجّة.
بناء على هذا ، يبدو أنّ المراد من «النذير» هنا النّبي الكبير الذي يوضّح ويبيّن دعوته مقرونة بالمعجزات وفي محيط واسع ، ومعلوم أنّ مثل هذا النذير لم يقم في الجزيرة العربية وبين قبائل مكّة.
وفي الإجابة عن السؤال الثّاني ينبغي أن يقال : إنّ معنى جملة : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) هو أنّ كلّ امّة كان لها نذير ، إلّا أنّه لا يلزم حضوره بنفسه في كلّ مكان ، بل يكفي أن يصل صوت دعوة أنبياء الله العظام بواسطة أوصيائهم إلى أسماع كلّ البشر في العالم.
وهذا يشبه قولنا : إنّ كلّ امّة كان لها نبي من اولي العزم ، ولها كتاب سماوي ، فمعنى هذا الكلام أنّ صوت هذا النّبي وكتابه السماوي قد وصل عن طريق وكلائه وأوصيائه لكلّ تلك الامّة على طول التاريخ.
بعد بيان عظمة القرآن ورسالة النّبي صلىاللهعليهوآله تطرّقت الآية التالية إلى أساس آخر من أهم أسس ودعائم العقائد الإسلامية ، فتقول : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (١).
وقلنا مرارا : إنّ المراد من (سِتَّةِ أَيَّامٍ) في هذه الآيات : ستّ مراحل ، لأنّ أحد معاني اليوم في المحادثات اليومية : المرحلة ، كما نقول : كان النظام المستبدّ يحكمنا بالأمس ، واليوم يحكمنا نظام الشورى ، في حين أنّ الحكومات المستبدّة كانت تحكم آلاف السنين ، إلّا أنّهم يعبّرون عن تلك المرحلة باليوم.
ومن جهة اخرى ، فقد مرّت فترات ومراحل مختلفة على السماء والأرض : ـ فيوما كانت كلّ كواكب المنظومة الشمسية كتلة واحدة مذابة.
__________________
(١) لفظ الجلالة في هذه الجملة مبتدأ ، و (الذي) خبره. واحتملت في تركيب هذه الجملة احتمالات اخرى ، من جملتها ، أنّ لفظ الجلالة خبر لمبتدأ محذوف ، أو أنّ لفظ الجلالة مبتدأ وخبره (ما لكم من دونه من ولي) إلّا أنّ هذين الاحتمالين لا يبدوان مناسبين بتلك الدرجة.