الحال وإلا لكان مجازا محضا لا تضمينا ، وكذا قوله : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٣] تقديره : معترفين بالغيب ، انتهى.
وقال (١) ابن يعيش : الظرف منتصب على تقدير (في) وليس متضمنا معناها حتى يجب بناؤه لذلك كما وجب بناء نحو : (من) (وكم) في الاستفهام وإنما (في) محذوفة من اللفظ لضرب من التخفيف فهي في حكم المنطوق به ، ألا ترى أنه يجوز ظهور (في) معه نحو : قمت اليوم وقمت في اليوم ، ولا يجوز ظهور الهمزة مع (من) و (كم) في الاستفهام فلا يقال : أمن ولا أكم ، وذلك من قبل أنّ (من) و (كم) لمّا تضمّنا معنى الهمزة ، صارا كالمشتملين عليها. فظهور الهمزة حينئذ كالتكرار ، وليس كذلك الظرف ، فإن الظرفية مفهومة من تقدير (في) ولذلك يصحّ ظهورها ، فاعرف الفرق بين المتضمّن للحرف وغير المتضمن مما ذكرته ، انتهى.
وقال ابن إياز : معنى تضمّن الاسم معنى الحرف معه أن يؤدي ما يؤديه الحرف من المعنى ويصاغ عليه صياغة لا يظهر ذلك الحرف معه ، قال ابن النحاس في (التعليقة) : الفرق بين المتضمن معنى الحرف وغير المتضمن ، أن المتضمن معنى الحرف لا يجوز إظهار الحرف معه في ذلك المكان ، وغير المتضمن يجوز إظهار الحرف معه في ذلك المكان ، كما إذا قلنا في الظرف إنه يراد فيه معنى (في) فإنّا لا نريد به أن الظرف متضمّن معنى (في) ، كيف ولو كان كذلك لبني؟ وإنما نعني به أن قوة الكلام قوة كلام آخر فيه في ظاهره ، وكذلك يجوز إظهار (في) مع الظرف ، فتقول في : خرجت يوم الجمعة ، خرجت في يوم الجمعة ، ولا تقول في أين وكيف مثلا : هل أين ولا هل كيف ولا أكيف.
وقال ابن جنّي في (الخصائص) (٢) : اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر وكان أحدهما يتعدّى بحرف والآخر بآخر ، فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه ، إيذانا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر ، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه ، وذلك كقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) [البقرة : ١٨٧] وأنت لا تقول : رفثت إلى المرأة ، وإنما تقول : رفثت بها أو معها ، لكنه لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء ، وكنت تعدّي أفضيت بإلى كقولك : أفضيت إلى المرأة ، جئت بإلى مع الرفث إيذانا وإشعارا أنه بمعناه ، كما
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٤١).
(٢) انظر الخصائص (٢ / ٣٠٨).