وقال ابن هشام في (تذكرته) : زعم قوم من المتأخرين منهم خطاب المارديني أنه يجوز تضمين الفعل المتعدّي لواحد معنى صيّر ، ويكون من باب ظنّ ، فأجاز حفرت وسط الدار بئرا ، أي : صيّرت ، قال : وليس (بئرا) تمييزا إذ لا يصلح (من) ، وكذا أجاز : بنيت الدار مسجدا ، وقطعت الثوب قميصا ، وقطعت الجلد نعلا ، وصبغت الثوب أبيض. وجعل من ذلك قول أبي الطيب : [الكامل]
٤٩ ـ فمضت وقد صبغ الحياء بياضها |
|
لوني كما صبغ اللّجين العسجد |
لأن المعنى : صيّر الحياء بياضها لوني ، أي : مثل لوني ، قال : والحقّ أن التضمين لا ينقاس. وقال ابن هشام في (المغني) (٢) : قد يشربون لفظا معنى لفظ فيعطونه حكمه ويسمّى ذلك تضمينا ، وفائدته : أن تؤدّي كلمة مؤدّى كلمتين ، ثم ذكر لذلك عدة أمثلة منها قوله : (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) [آل عمران : ١١٥] ضمّن معنى تحرموه ، فعدّى إلى اثنين لا إلى واحد (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٥] ضمّن معنى تنووه فعدّي بنفسه لا (بعلى). (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) [الصافات : ٨] ضمّن معنى يصغون فعدّى (بإلى) ، وأصله أن يتعدّى بنفسه ، «سمع الله لمن حمده» (٣) ضمّن معنى استجاب فعدّى باللام. (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة : ٢٢٠] ضمّن معنى يميز فجيء بـ (من) ، وذكر ابن هشام في موضع آخر من (المغني) أن التضمين لا ينقاس ، وكذا ذكر أبو حيان.
قاعدة : الفرق بين التضمين والتقدير
قال ابن الحاجب في أماليه : الفرق بين التضمين وبين التقدير في قولنا : بني (أين) لتضمّنه معنى حرف الاستفهام ، وضربته تأديبا : منصوب بتقدير (اللام) ، وغلام زيد : مجرور بتقدير (اللام) ، وخرجت يوم الجمعة : منصوب بتقدير (في) ، أن التضمّن يراد به أنه في المعنى المتضمّن على وجه لا يصحّ إظهاره معه ، والتقدير أن يكون على وجه يصحّ إظهاره معه سواء اتّفق الإعراب أم اختلف ، فإنه قد يختلف في مثل قولك : ضربته يوم الجمعة ، وضربته في يوم الجمعة ، وقد لا يختلف في مثل قولك : والله لأفعلنّ والله أفعلن ، والفرق بينهما أنه إذا لم يختلف الإعراب كان مرادا
__________________
٤٩ ـ انظر ديوانه (٢ / ٥٢) بشرح البرقوقي.
(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٦٢).
(٢) هذه عبارة من حديث شريف ورد في صحيح البخاري ، باب صلاة القاعد (١ / ١٢٨).