إنما هي لعدم الأول وتعويض الثاني منه ، وليس كذلك الألف في قام وباع لأنهما فيها كأنهما الواو والياء ، ومتى نطقت بواحد من هذه الأحرف الثلاثة فكأنك نطقت بالآخر ، وكذلك الألف التي هي بدل من التنوين ومن نون التوكيد في (اضربا) جارية عندهم مجرى ما هي بدل منه حتى أنهم إذا نطقوا بالألف فكأنهم قد نطقوا بالنون ، فالألف إذا كأنها هي النون.
وعلى هذا ساق سيبويه (١) حروف البدل الأحد عشر ، لأن كل واحد منها وقع موقع المبدل منه لا متقدما عليه ولا متراخيا عنه ولم يسمّ شيئا من ذلك عوضا ، وليس كذلك هاء (زنادقة) لأنها عوض من ياء (زناديق) ، قيل لها عوض لأنها لم تقع موقع ما هي عوض منه ، وكذلك هاء التفعلة نحو : التقدمة والتجربة ، وتاء التفعيل عوض من عين فعّال فتاء (تكذيب) عوض من إحدى عيني (كذّاب) ، لأنها ليست في موضعها ، ولكن ياء التفعيل بدل من ألف فعال لأنها في موضعها ، ولأن الياء أيضا قريبة الشبه بالألف ، كأنها هي والبدل أشبه بالمبدل منه من العوض بالمعوّض منه ، انتهى.
قاعدة : لا يجتمع العوض والمعوّض منه
العوض والمعوّض منه لا يجتمعان ومن ثم ردّ أبو حيان قول شيخيه ابن عصفور والأبذي ، أنه لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام أو حذفه وحذف الجواب معا إلا بشرط تعويض (لا) من المحذوف نحو : اضرب زيدا أساء وإلا فلا ، فقال : ليس بشيء بل (لا) نائبة وليست عوضا من الفعل لأنه يجوز الجمع بينهما تقول : اضرب زيدا إن أساء وإن لا يسيء فلا تضربه ، ولو كان تعويضا لما جاز الجمع بينهما ، وردّ أيضا قول أبي موسى الجزولي أن (ما) اللّاحقة لأي الشرطية عوض من المضاف إليه المحذوف الذي تطلبه من جهة المعنى ، فقال : لو كانت عوضا لم تجتمع مع الإضافة في قوله تعالى : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) [القصص : ٢٨] لأنه لا يجتمع العوض والمعوض منه ، بل الصواب أنها زائدة لمجرد التوكيد ولذلك لم تلزم ، ولو كانت عوضا للزمت.
وللقاعد عدّة فروع :
أحدها : قولهم (اللهمّ) ، الميم فيه عوض من حرف النداء ، ولذا لا يجمع بينهما.
__________________
(١) انظر الكتاب (٤ / ٣٦٠).