فالجواب ما قال المازنيّ : إن أصل هذا أن تشير به إلى واحد حاضر ، فلما دعوته نزعت منه الإشارة التي كانت فيه وألزمته إشارة النداء فصارت (يا) عوضا من نزع الإشارة ، ومن أجل ذلك لا يقال : هذا أقبل ، لأن (يا) قد صارت عوضا من الإشارة.
التغليب
قال ابن هشام في (المغني) (١) : القاعدة الرابعة أنهم يغلبون على الشيء ما لغيره لتناسب بينهما أو اختلاط ، فلهذا قالوا : الأبوين في (الأب والأم) وفي الأب والخالة ، والمشرقين والمغربين والخافقين في المشرق والمغرب ، وإنما الخافق المغرب سمّي خافقا مجازا ، وإما هو مخفوق فيه ، والقمرين في الشمس والقمر ، والعمرين في أبي بكر وعمر ، والعجاجين في رؤبة والعجاج ، والمروتين في الصّفا والمروة ، ولأجل الاختلاط أطلقت (من) على ما لا يعقل في نحو : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) [النور : ٤٥] الآية. واسم المخاطبين على الغائبين في نحو قوله تعالى : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : ٢١] ، لأن (لعلّ) متعلقة بخلقكم لا باعبدوا ، والمذكّرين على المؤنث حتى عدت منهم في : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢] والملائكة على إبليس حتى استثني منهم في : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [البقرة : ٣٤].
ومن التغليب : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [الأعراب : ٨٨] ، فإن شعيبا عليه السلام لم يكن في ملّتهم قطّ بخلاف الذين آمنوا معه ، وقوله : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) [الشورى : ١١] فإن الخطاب فيه شامل للعقلاء والأنعام ، فغلب المخاطبون والعقلاء على الغائبين والأنعام. قالوا : ويغلب المؤنث على المذكر في مسألتين :
إحداهما : (ضبعان) في تثنية ضبع للمؤنث وضبعان للمذكر ، إذ لم يقولوا ضبعانات.
والثانية : (التاريخ) ، فإنهم أرّخوا بالليالي دون الأيام ، ذكر ذلك الزجاجي وجماعة.
قال ابن هشام : وهو سهو ، فإن حقيقة التغليب أن يجتمع شيئان فيجري حكم أحدهما على الآخر ولا يجتمع اللّيل والنهار ولا هنا تعبير عن شيئين بلفظ أحدهما ، وإنما أرخت العرب بالليالي لسبقها إذ كانت أشهرهم قمرية ، والقمر إنما يطلع ليلا.
__________________
(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٦٤).