وقال ابن فلاح في (مغنيه) : العرب تغلب الأقرب على الأبعد بدليل تغليب المتكلّم على المخاطب ، وهما على الغائب في الأسماء ، نحو : أنا وأنت قمنا ، وأنت وزيد قمتما. واستدلّ بذلك على أن المضارع حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال ، لأن الحال أقرب والعرب تغلب الأقرب على الأبعد.
التغيير يأنس بالتغيير
فمن ذلك قال أبو حيان : باب النسب بني على ثلاث تغييرات :
لفظي : وهو كسر ما قبل الياء وانتقال الإعراب إليها.
ومعنوي : وهو صيرورته اسما لما لم يكن له ، ألا ترى أن (عليّا) مثلا يطلق على رجل اسمه عليّ ، فإذا نسب إليه صار يطلق على رجل ينسب إلى عليّ.
وحكمي : وهو رفعه لما بعده على الفاعلية المشتقة نحو : مررت برجل قرشيّ أبوه ، كأنك قلت : منتسب إلى قريش أبوه ، ويطّرد ذلك فيه ، وإن لم يكن مشتقا وإن لم يرفع الظاهر رفع الضمير مستكنا فيه كما يرفعه اسم الفاعل المشتق ، فهذه ثلاث تغييرات ، ولما كان فيه هذه التغييرات كثر فيه التغيير والخروج عن القياس إذ التغيير يأنس بالتغيير.
وقال غيره : النسب يغير الاسم تغييرات ، منها أنه ينقله من التعريف إلى التنكير ، تقول في تميم : تميميّ ، والإضافة في غير هذا الباب حكمها في الأكثر أن تعرف.
ومنها : أنه ينقله من الجمود إلى الاشتقاق وإلا لما جاز وصف المؤنث به ولحاقه التاء ، ولما عمل الرفع فيما بعده من ظاهر أو ضمير.
ومن ذلك قال (١) ابن يعيش : إنما اختصّت الأعلام بالحكاية دون سائر المعارف لكثرة دورها وسعة استعمالها في باب الإخبارات والعلامات ونحوها ، ولأن الحكاية ضرب من التغيير إذ كان في عدول عن مقتضى عمل العامل ، والأعلام مخصوصة بالتغيير ، ألا ترى أنهم قالوا : حيوة ومحبب ومكوزة ، وشاع فيها الترخيم دون غيرها من الأسماء ؛ لأنها في أصلها مغيّرة بنقلها إلى العلمية ، والتغيير يأنس بالتغيير.
ومن ذلك قال السخاوي في (تنوير الدياجي) : دخلت تاء التأنيث في أم وأب
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٤ / ١٩).