٨٩ ـ أتقرح أكباد المحبّين كالّذي |
|
أرى كبدي من حبّ ميّة تقرح |
وتقع (أن) بمعنى (الذي) كقولهم : زيد أعقل من أن يكذب ، أي : من الذي يكذب.
قال ابن هشام : فأما وقوع (الذي) مصدرية فقال به يونس والفراء والفارسي وارتضاه ابن خروف وابن مالك ، وجعلوا منه : (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) [الشورى : ٢٣] ، (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) [التوبة : ٦٩] وأما عكسه فلم أعرف قائلا به ، والذي جرى عليه إشكال هذا الكلام بأن ظاهرة تفضيل زيد في العقل على الكذب وهذا لا معنى له ، ونظائر هذا التركيب مشهورة الاستعمال وقلّ من يتنبه لإشكالها.
قال : وظهر لي توجيهان :
أحدهما : أن يكون في الكلام تأويل على تأويل فيؤوّل (أن) والفعل بالمصدر فيؤوّل إلى المعنى الذي أراده ولكن بوجه يقبله العلماء ، ألا ترى أنه قيل في قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) [يونس : ٣٧] أن التقدير : ما كان افتراء ، ومعنى هذا : ما كان مفترى.
الثاني : أن (أعقل) ضمن معنى (أبعد) ، فمعنى المثال : زيد أبعد من الكذب لفضله من غيره (فمن) المذكورة ليست الجارّة للمفضول بل متعلّقة بأفعل لما تضمّنه من معنى البعد لا لما فيه من المعنى الوصفيّ ، والمفضل عليه متروك أبدا مع أفعل هذا لقصد التعميم ، وفي (شرح الدرة) لابن القوّاس : شبهت (ليس) بلا فحملت عليها في العطف كما حملت (لا) عليها في العمل ، قال بعضهم في قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١] ، خرّج المازني الآية على أنّ (إنّ) وإن كانت مشدّدة فهي النافية بمعنى (ما) ثقلت كما أنّ (إنّ) المشددة لا تخفّف وهذا من التقارض.
فائدة : تقارض إلّا وغير
قال الزمخشري (في المفصّل) (٢) : واعلم أن إلّا وغير يتقارضان ما لكل واحد منهما.
__________________
٨٩ ـ الشاهد لجميل في ديوانه (ص ٤٦) «من حبّ بثنة» ، وشرح شواهد المغني (ص ٨٩٦) ، ولذي الرمّة في ديوانه (١١٩٤) ، والخزانة (٤ / ٧٤) ، والزهرة (١٣٧) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب (٢ / ٥٤٧).
(١) انظر المفصّل (٧٠).