قال (١) ابن يعيش : معنى التقارض أن كل واحد منهما يستعير من الآخر حكما هو أخصّ به ، فأصل غير أن يكون وصفا والاستثناء فيه عارض معار من إلا.
التقدير
فيه مباحث :
الأول : قال (٢) ابن هشام : القياس أن يقدّر الشيء في مكانه الأصلي ، لئلا يخالف الأصل من وجهي الحذف ووضع الشيء في غير محله ، فيجب أن يقدّر المفسر في نحو : زيدا رأيته ، مقدما عليه.
وجوّز البيانيون تقديره مؤخّرا عنه ، وقالوا : إنه يفيد الاختصاص حينئذ ، وليس كما توهموا ، وإنما يرتكب ذلك عند تعذر الأصل أو عند اقتضاء أمر معنوي لذلك. فالأول نحو : أيّهم رأيته ، إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ونحو : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] فيمن نصب ، إذ لا يلي أما فعل ، وكنا قدمنا في نحو : في الدار زيد ، أن متعلّق الظرف يقدّر مؤخرا عن زيد لأنه في الحقيقة الخبر ، وأصل الخبر أن يتأخر عن المبتدأ ، ثم ظهر لنا أنه يحتمل تقديره مقدما لمعارضة أصل آخر وهو أنه عامل في الظرف ، وأصل العامل أن يتقدم على المعمول ، اللهم إلا أن يقدر المتعلق فعلا فيجب التأخير ، لأن الخبر الفعلي لا يتقدم على المبتدأ في مثل هذا ، وإذا قلت : إن خلفك زيدا ، وجب تأخير المتعلق فعلا كان أو اسما ، لأن مرفوع (إن) لا يسبق منصوبها ، وإذا قلت : كان خلفك زيد ، جاز الوجهان ، ولو قدرته فعلا لأن خبره كان يتقدّم مع كونه فعلا على الصحيح ، إذ لا تلتبس الجملة الاسمية بالفعلية.
والثاني : نحو متعلّق البسملة الشريفة ، فإن الزمخشري (٣) قدّره مؤخرا عنها ، لأن قريشا كانت تقول : باسم اللّات والعزّى نفعل كذا ، فيؤخرون أفعالهم عن ذكر ما اتخذوه معبودا تفخيما لشأنه بالتقديم فوجب على الموحّد أن يعتقد ذلك في اسم الله تعالى فإنه الحقيقي بذلك.
الثاني : ينبغي تقليل المقدّر ما أمكن لنقل مخالفة الأصل ، ولذلك كان تقدير الأخفش : ضربي زيدا قائما ، ضربه قائما ، أولى من تقدير باقي البصريين : حاصل إذ
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٨٨).
(٢) انظر مغني اللبيب (٢ / ٦٧٨).
(٣) انظر الكشاف (١ / ٣).