كان ، أو إذ كان قائما ، لأنه قدّر اثنين وقدّروا خمسة ، ولأن التقدير من اللفظ أولى ، وكان تقديره في : أنت مني فرسخان ، بعدك مني فرسخان ، أولى من تقدير الفارسي : أنت مني ذو مسافة فرسخين ، لأنه قدر مضافا لا يحتاج معه إلى تقدير شيء آخر يتعلق به الظرف ، والفارسي قدر شيئين يحتاج معهما إلى تقدير ثالث ، وضعف قول بعضهم في (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] إن التقدير : حبّ عبادة العجل ، والأولى تقدير الحبّ فقط ، وضعّف قول الفارسي ومن وافقه في (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) [الطلاق : ٤] الآية ، أن الأصل ـ واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ـ والأولى أن يكون الأصل واللائي لم يحضن كذلك ، تقليلا للمحذوف.
الثالث : إذا استدعى الكلام تقدير أسماء متضايفة أو موصوف وصفة مضافة ، أو جار ومجرور ومضمر عائد على ما يحتاج إلى الربط ، فلا يقدر أن ذلك حذف دفعة واحدة بل على التدريج ، فالأولى نحو : (كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ) [الأحزاب : ١٩] أي كدوران عين الذي والثاني. نحو : [الطويل]
٩٠ ـ إذا قامتا تضوّع المسك منهما |
|
نسيم الصّبا [جاءت بريّا القرنفل] |
أي : تضوّعا مثل تضوّع نسيم الصبا. والثالث : كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] أي : لا تجزي فيه ، ثم حذف في فصار لا تجزئه ، ثم حذف الضمير منصوبا لا مخفوضا قاله الأخفش.
الرابع : ينبغي أن يقدّر المقدّر من لفظ المذكور مهما أمكن ، فيقدر في : ضربي زيدا قائما ، ضربه قائما ، فإنه من لفظ المبتدأ دون (إذ كان) أو (إذا كان) ، ويقدر : اضرب ، دون : أهن في : زيدا اضربه ، فإن منع من تقدير المذكور مانع معنوي أو صناعي قدر ما لا مانع له ، فالأول ، نحو : زيدا اضرب أخاه ، يقدّر فيه أهن دون اضرب. فإن قلت : زيدا أهن أخاه ، قدّرت أهن ، والثاني نحو : زيدا امرر به ، يقدّر فيه جاوز دون امرر ، لأنه لا يتعدّى بنفسه ، نعم إن كان العامل مما يتعدّى تارة بنفسه وتارة بحرف الجرّ نحو : (نصح) في قولك : زيدا نصحت له ، جاز أن نقدر نصحت زيدا ، بل هو أولى من تقدير غير الملفوظ به.
__________________
٩٠ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٥) ، وخزانة الأدب (٣ / ١٦٠) ، ورصف المباني (ص ٣١٢) ، ولسان العرب (قرنفل) ، والمنصف (٣ / ٢٠) ، وبلا نسبة في لسان العرب (ضرع) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦١٧) ، والممتع في التصريف (٢ / ٥٧٢).