تكثير الحروف يدلّ على تكثير المعنى
عقد له ابن جنّي بابا في (الخصائص) (١) وترجم عليه ، باب في قوة اللفظ لقوة المعنى.
قال : هذا فصل من العربية حسن. منه قولهم : خشن ، واخشوشن ، فمعنى خشن دون معنى اخشوشن لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو ، وكذا قولهم : أعشب المكان ، فإذا أرادوا كثرة العشب فيه قالوا : اعشوشب ، ومثله : حلا واحلولى ، وخلق واخلولق ، وغدن واغدودن ، ومنه باب فعل وافتعل نحو : قدر واقتدر ، فاقتدر أقوى معنى من قدر ، كذا قال أبو العباس ، وهو محض القياس وقال تعالى : (أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٤٢] فمقتدر هنا أوثق من قادر ، حيث كان الوضع لتفخيم الأمر وشدة الأخذ ، وعليه قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦] لأن كسب الحسنة بالإضافة إلى كسب السيئة أمر يسير ، ومثله قول الشاعر : [الكامل]
٩٣ ـ إنا اقتسمنا خطّتينا بيننا |
|
فحملت برّة واحتملت فجار |
عبّر عن البرّ بالحمل وعن الفجرة بالاحتمال ، ومن ذلك قولهم : رجل جميل ووضيء ، فإذا أرادوا المبالغة قالوا : جمّال ووضّاء ، وكذلك حسن وحسان ، ومنه باب تضعيف العين نحو قطع ، وقطّع ، وكسر وكسّر ، وقام الفرس وقوّمت الخيل ، ومات البعير وموّتت الإبل ، ومنه باب (فعال) في النسب كالبزّاز والعطّار والقصّاب ، إنما هو لكثرة تعاطي هذه الأشياء ، وكذلك النسّاف لهذا الطائر ، كأنه قيل له ذلك لكثرة نسفه بجناحه ، والخضاريّ للطائر أيضا ، كأنه قيل له ذلك لقوة خضرته ، والحوّاري لقوة حوره وهو بياضه ، والخطّاف لكثرة اختطافه ، والسكّين لكثرة تسكين الذبائح.
قال : ونحو ذلك من تكثير اللفظ لتكثير المعنى العدول عن معتاد حاله ، وذلك
__________________
(١) انظر الخصائص (٣ / ٢٦٤).
٩٣ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ٥٥) ، وإصلاح المنطق (ص ٣٣٦) ، وخزانة الأدب (٦ / ٣٢٧) ، والدرر (١ / ٩٧) ، وشرح التصريح (١ / ١٢٥) ، وشرح المفصّل (٤ / ٥٣) ، ولسان العرب (برر) ، و (فجر) ، و (حمل) ، والمقاصد النحوية (١ / ٤٠٥) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٤٦٣) ، وخزانة الأدب (٦ / ٢٨٧) ، والخصائص (٢ / ١٩٨) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ١٤١) ، وشرح المفصّل (١ / ٣٨) ، ولسان العرب (أنن) ، ومجالس ثعلب (٢ / ٤٦٤) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٩).