حرف الجيم
الجمل نكرات
قال (١) ابن يعيش : ألا ترى أنها تجري أوصافا على النكرات ، قال : ولو لا أن الجمل نكرات لم يكن للمخاطب فيها فائدة ، لأن ما يعرف لا يستفاد ، فلما كانت تجري أوصافا على النكرات لتنكيرها ، أرادوا أن يكون في المعارف مثل ذلك ، فلم يكن أن يقال : مررت بزيد قام أبوه وأنت تريد النعت لزيد ، لأنه قد ثبت أن الجمل نكرات ، والنكرة لا تكون وصفا للمعرفة ، ولم يمكن إدخال لام المعرفة على الجملة لأن هذه اللام من خواص الأسماء ، والجملة لا تخصص بالأسماء ، بل تكون جملة اسمية وفعلية فجاؤوا حينئذ بالذي متوصلين بها إلى وصف المعارف بالجمل ، فجعلوا الجملة التي كانت صفة للنكرة صلة للذي هو الصفة في اللفظ والغرض الجملة ، كما جاؤوا بأي متوصلين بها إلى نداء ما فيه الألف واللام ، فقالوا : يا أيها الرجل ، والمقصود نداء الرجل و «أيّ» صلة ، وكما جاؤوا (بذي) التي بمعنى صاحب متوصّلين بها إلى وصف الأسماء بالأجناس ، إلا أن لفظ الذي قبل دخول الألف واللام لم يكن على لفظ أوصاف المعارف ، فزادوا في أولها الألف واللام ليحصل لهم بذلك لفظ المعرفة الذي قصدوه فيتطابق اللفظ والمعنى.
وقال الشيخ جمال الدين بن هشام في تذكرته : بنى ابن عصفور ، على أن إضافة (أفعل) لا تفيد تعريفا : أنه لا بدّ من حذف في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) [آل عمران : ٩٦] والتقدير : لهو الذي ببكّة ، فالخبر جملة اسمية لا مفرد معرفة ، والجمل نكرات كما قاله الزجاج في : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] إن التقدير : لهما ساحران.
وقال صاحب (البسيط) : إنما اختصّت النكرة بالوصف بالجملة لوجهين :
أحدهما : أنها تطابقها في التنكير بدليل وضعها على التنكير الذي لا يقبل التعريف.
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ١٤١).