القوة والصوت مثلها ، وإذا كان كذلك لزم أن لا تنقلب الواو الثانية للكسرة قبلها ، لأنها بإزاء الكسرة المخالفة للواو الأولى الموافقة للفظ الثانية ، فإذا تأدى الأمر بالمعادلة إلى هنا توفت الواو والكسرة أحكامهما فكان لا كسرة قبلها ولا واو ، وإذا كان كذلك لم تجد أمرا تقلب له الواو الثانية ياء ، فكان يجب على هذا أن تخرج الواو الثانية من (اطووجل) صحيحة غير معلة لتوفي ما قبلها من الواو والكسرة أحكامهما وتكافيهما فيما ذكرنا ، فدلّ قلب الواو الثانية ياء حتى صارت (اطوايجل) ، على أن الكسرة أدنى إليها من الواو قبلها ، وإذا كانت أدنى إليها كانت بعد الواو المحركة بها لا محالة.
قال الفارسي : ويقوّي قول من قال : إنها تحدث مع الحرف أن النون ، الساكنة مخرجها مع حروف الفم من الأنف ، والمتحركة مخرجها من الفم ، فلو كانت حركة الحرف تحدث من بعده لوجب أن تكون النون المتحركة أيضا من الأنف ، وذلك أن الحركة إنما تحدث بعدها ، فكان ينبغي أن لا تغني عنها شيئا لسبقها هي لحركتها.
قال ابن جني : كذا قال الفارسي ، قال : ورأيته معنيا بهذا الدليل ، وهو عندي ساقط عن سيبويه وغير لازم له ، لأنه لا ينكر أن يؤثر الشيء فيما قبله من قبل وجوده ، لأنه قد علم أن سيرد فيما بعده ، وذلك كثير. فمنه أن النون الساكنة إذا وقعت بعدها الباء قلبت النون ميما في اللفظ وذلك نحو : عمير وشمباء في عنبر وشنباء ، فكما لا يشكّ في أن الباء في ذلك بعد النون وقد قلبت النون قبلها ، فكذلك لا ينكر أن تكون حركة النون الحادثة بعدها تزيلها عن الأنف ، بل إذا كانت الباء أبعد عن النون قبلها من حركة النون فيها وقد أثرت على بعدها ما أثرته ، كانت حركة النون التي هي أقرب إليها وأشد التباسا بها أولى بأن تجتذبها وتنقلها من الأنف إلى الفم ، ومما غير متقدما لتوقع ما يرد من بعده ضمهم همزة الوصل لتوقع الضمة بعدها نحو : أدخل ، أستصغر ، استخرج.
قال ابن جني : ومما يقوّي عندي قول من قال : إن الحركة تحدث قبل الحرف ، إجماع النحويين على قولهم إن الواو في نحو : يعد ويزن إنما حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة ، يعنون في : يوعد ويوزن لو خرج على أصله. فقولهم : بين ياء وكسرة يدلّ على أن الحركة عندهم قبل حرفها المتحرك بها ، ألا ترى أنه لو كانت الحركة بعد الحرف كانت الواو في يوعد بين فتحة وعين ، وفي : يوزن بين فتحة وزاء ، فقولهم : بين ياء وكسرة يدلّ على أن الواو في نحو : يوعد عندهم بين الياء التي هي أدنى إليها من فتحها وكسرة العين التي هي أدنى إليها من العين بعدها. قال : وهذا وإن كان من الوضوح على ما تراه فإنه لا يلزم من موضعين.