والثاني : أن الحركة لو لم تكن مع الحرف لم تقلب الألف إذا حركتها همزة ، ولم تخرج النون من طرف اللسان إذا حركتها ، بل كنت تخرجها من الخيشوم ، وفي العدول عن ذلك دليل على أن الحركة معها.
واحتجّ من قال هي بعد الحرف من وجهين :
أحدهما : أنك لما تدغم الحرف المتحرك فيما بعده نحو : طلل ، دلّ على أن بينهما حاجزا وليس إلا الحركة.
والثاني : أنك إذا أشبعت الحركة نشأ منها حرف ، والحرف لا ينشأ منه حرف آخر فكذلك ما قاربه.
والجواب عن الأول : أن الإدغام امتنع لتحصّن الأول لتحركه لا لحاجز بينهما ، كما يتحصن بحركته عن القلب نحو عوض.
وعن الثاني من وجهين :
أحدهما : أن حدوث الحرف عن الحركة كان لأنها تجانس الحرف الحادث فهي شرط لحدوثه وليست بعضا له ؛ ولهذا إذا حذفت الحرف بقيت الحركة بحالها ، ولو كان الحادث تماما للحركة لم تبق الحركة ، ومن سمّى الحركة بعض حرف أو حرفا صغيرا فقد تجوّز ، ولهذا لا يصحّ النطق بالحركة وحدها.
والثاني : لو قدّرنا أن الحركة بعض الحرف الحادث لم يمتنع أن تقارن الحرف الأول ، كما أنه ينطق بالحرف المشدد حرفا واحدا وإن كانا حرفين في التحقيق ، إلا أن الأول لما ضعف عن الثاني أمكن أن يصاحبه ، والحركة أضعف من الحرف الساكن فلم يمتنع أن يصاحب الحرف الحرف انتهى.
الفائدة الثانية : الحرف غير مجتمع من الحركات
قال أبو البقاء : ويتعلق بهذا الاختلاف مسألة أخرى وهي أن الحرف غير مجتمع من الحركات عند المحققين لوجهين :
أحدهما : أن الحرف له مخرج مخصوص والحركة لا تختص بمخرج ولا معنى ، لقول من قال : إنه مجتمع من حركتين ، لأن الحركة إذا أشبعت نشأ الحرف المجانس لها لوجهين :
أحدهما : ما سبق من أن الحركة ليست بعض الحرف.