الحادية عشرة : قولهم حرف متحرك
قال ابن القيم في (بدائع الفوائد) (١) : قال السهيلي : قولهم حرف متحرك وتحركت الواو ونحو ذلك تساهل منهم ، فإن الحركة عبارة عن انتقال الجسم من حيّز إلى حيّز ، والحرف جزء من الصوت ، ومحال أن تقوم الحركة بالحرف لأنه عرض ، والحركة لا تقوم بالعرض ، وإنما المتحرك في الحقيقة هو العضو من الشفتين أو اللسان أو الحنك الذي يخرج منه الحرف ، فالضمة عبارة عن تحريك الشفتين بالضم عند النطق فيحدث من ذلك صوت خفيّ مقارب للحرف إن امتدّ كان واوا وإن قصر كان ضمة ، والفتحة عبارة عن فتح الشفتين عند النطق بالحرف وحدوث الصوت الخفي الذي يسمى فتحة ، وكذا القول في الكسرة.
والسكون عبارة عن خلوّ العضو من الحركات عند النطق بالحرف ، ولا يحدث بعد الحرف صوت ، فينجزم عند ذلك أي : ينقط ، فلذلك سمّي جزءا اعتبارا بانجزام الصوت وهو انقطاعه ، وسكونا اعتبارا ما لعضو الساكن ، فقولهم فتح وضم وكسر هو من صفة العضو ، وإذا سميت ذلك رفعا ونصبا وجرّا وجزما فهي من صفة الصوت ، لأنه يرتفع عند ضم الشفتين وينتصب عند فتحهما وينخفض عند كسرهما وينجزم عند سكونهما ، وعبّروا بهذه عن حركات الإعراب لأنها لا تكون إلا بسبب وهو العامل ، كما أن هذه إنما لا تكون بسبب وهو حركة العضو وعن أحوال البناء تلك ، لأنه لا يكون بسبب أعني بعامل ، كما أن هذه الصفات يكون وجودها بغير آلة.
قال ابن القيم : وعندي أن هذا ليس باستدراك على النحاة ، فإن الحرف وإن كان عرضا فقد يوصف بالحركة تبعا لحركة محله ، فإن الأعراض وإن لم تتحرك بأنفسها فهي تتحرك بحركة محالها فاندفع الإشكال جملة.
الثانية عشرة : الحركات هل هي مأخوذة من حروف المدّ
قال أبو حيان في (شرح التسهيل) : اختلف النحاة في الحركات الثلاث ، أهي مأخوذة من حروف المدّ واللّين أم لا؟ فذهب الأكثرون إلى أن الفتحة من الألف والضمة من الواو والكسرة من الياء اعتمادا على أن الحروف قبل الحركات ، والثاني مأخوذ من الأول.
وذهب بعض النحويين إلى أن هذه الحروف مأخوذة من الحركات الثلاث : الألف من الفتحة والواو من الضمة والياء من الكسرة ، اعتمادا على أن الحركات قبل
__________________
(١) انظر بدائع الفوائد (١ / ٣٤).