الحقيقة شيئا واحدا ، ولذلك دخلت الإمالة على الحركة كما دخلت الألف إذ الغرض إنما هو تجانس الصوت وتقريب بعضها من بعض.
فائدة : السؤال عن مبادئ اللغات يؤدّي إلى التسلسل
قال بعض شرّاح الجمل : السؤال عن مبادئ اللغات يؤدي إلى التسلسل ، فلهذا لا ينبغي أن يسأل لأي شيء انفردت الأسماء بالجر وانفردت الأفعال بالجزم ، وإنما ينبغي أن يسأل عما كان يجب فامتنع ، وهو خفض الأفعال المضارعة بالإضافة ، لأن الفعل مرفوع ، وإن أضيف إليه كقوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩] وجزم الأسماء التي لا تنصرف وذلك أنها لما أشبهت الفعل المضارع وحكم لها بحكمه فلم تنون ولم تخفض كالفعل ، كان يجب أن يحمل فيها الخفض على جزم الفعل الذي أشبهته بدل حمله على النصب ، ويكون الاسم الذي لا ينصرف ساكنا في حال الخفض ويكون فيه ترك العلامة علامة.
والجواب على ذلك : ما ذكره الزجاجي أنه لم تخفض الأفعال المضارعة لأن الخفض لو كان فيها إنما كان يكون بالإضافة ، لأنه ليس من عوامل الخفض ما يدخل على الفعل إلا الإضافة إما للملك أو للاستحقاق ، والأفعال لا تملك شيئا ولا تستحقه فلا يكون فيها إضافة ، وإذا لم يكن فيها إضافة لم يكن فيها خفض ، فإن أضيف إلى الفعل فإنما يضاف إليه في اللفظ ولمصدره في المعنى ، ولذلك لا تؤثر الإضافة فيه ، ولم تجزم الأسماء التي لا تنصرف لأنها قد ذهب منها التنوين ، فلو ذهبت الحركة لأدى ذلك إلى ذهاب شيئين من جهة واحدة ، وذلك إخلال بالكلمة لتوالي الحذف على آخرها.
حكاية الحال من القواعد الشهيرة
قال ابن هشام في (المغني) (١) : القاعدة السادسة ، أنهم يعبرون عن الماضي والآتي كما يعبرون عن الشيء الحاضر قصدا لإحضاره في الذهن حتى كأنه مشاهد حالة الإخبار نحو : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [النمل : ١٢٤] لأن لام الابتداء للحال ونحو : (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص : ١٥] إذ ليس المراد تقريب الرجلين من الرسول عليه الصلاة والسّلام ، كما تقول : هذا كتابك فخذه ، وإنما الإشارة كانت إليهما في ذلك الوقت هكذا فحكيت ومثله : (وَاللهُ
__________________
(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٦٩).