الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ) [فاطر : ٩] ألا ترى أنه تعالى قصد بقوله فتثير سحابا إحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة من إثارة السحاب تبدو أولا قطعا ثم تتضام متقلبة بين أطوار حتى تصير ركاما ، ومنه (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] أي : فكان ، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [الحج : ٣١] ، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) [القصص : ٥] إلى قوله : و (نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ) [القصص : ٦] ومنه عند الجمهور : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ) [الكهف : ١٨] ، أي : يبسط ذراعيه ، بدليل (وَنُقَلِّبُهُمْ ،) ولم يقل وقلبناهم ، وبهذا التقرير يندفع قول الكسائي وهشام أن اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي يعمل ، ومثله : (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة : ٧٢] إلا أن هذا على حكاية حال كانت مستقبلة وقت التدارئ ، وفي الآية الأولى حكيت الحال الماضية.
ومثلها قوله : [الرجز]
١٢٥ ـ جارية في رمضان الماضي |
|
تقطع الحديث بالإيماض |
ولو لا حكاية الحال في قول حسان : [الكامل]
١٢٦ ـ يغشون حتى لا تهرّ كلابهم |
|
[لا يسألون عن السّواد المقبل] |
لم يصح الرفع ، لأنه لا يرفع إلا وهو للحال ، ومنه قوله تعالى : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة : ٢١٤].
الحمل على ما له نظير أولى من الحمل على ما ليس له نظير
وفيه فروع :
منها : (مروان) ، يحتمل أن يكون وزنه فعلان أو مفعالا أو فعوالا ، والأول له نظير فيحمل عليه ، والآخران مثالان لم يجيئا ، ذكره ابن جنّي (٣).
ومنها : (فم) أصلها (فوه) بزنة (فوز) حذفت الهاء لشبهها بحرف العلة لخفائها وقربها في المخرج من الألف ، فحذفت كحذف حرف العلة ، فبقيت الواو
__________________
١٢٥ ـ الشاهد لرؤبة في ملحقات ديوانه (ص ١٧٦) ، والإنصاف (١٤٩) ، والخزانة (٣ / ٤٨١).
١٢٦ ـ الشاهد لحسان بن ثابت في ديوانه (ص ١٢٣) ، وخزانة الأدب (٢ / ٤١٢) ، والدرر (٤ / ٧٦) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٦٩) ، والكتاب (٣ / ١٨) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٣٧٨) ، وهمع الهوامع (٢ / ٩) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (٣ / ٥٦٢).
(١) انظر الخصائص (٣ / ٦٧).