الحمل على أحسن القبيحين
عقد له ابن جنّي بابا في الخصائص (١) قال : وذلك أن تحضرك الحال ضرورتين لا بدّ من ارتكاب إحداهما ، فينبغي حينئذ أن تحمل الأمر على أقربهما وأقلهما فحشا ؛ وذلك كواو (ورنتل) أنت فيها بين ضرورتين :
إحداهما : أن تدعى كونها أصلا في ذوات الأربعة غير مكررة ، والواو لا توجد في ذوات الأربعة إلا مع التكرير ، نحو : الوصوصة والوحوحة وضوضيت وقوقيت.
والأخرى : أن تجعلها زائدة أولا والواو لا تزاد أولا ، فإذا كان كذلك كان أن تجعلها أصلا أولى من أن تجعلها زائدة ، وذلك أن الواو قد تكون أصلا في ذوات الأربعة على وجه من الوجوه ، أعني حال التضعيف ؛ فأما أن تزاد أولا ، فإن هذا أمر لم يوجد على حال ، فإذا كان كذلك رفضته ولم تحمل الكلمة عليه ، ومثل ذلك فيها : قائما رجل ، لما كنت بين أن ترفع قائما فتقدم الصفة على الموصوف وهذا لا يكون ؛ وبين أن تنصب الحال من النكرة وهذا على قلته جائز ، حملت المسألة على الحال فنصبت ، كذلك : ما قام إلا زيدا أحد ، عدلت إلى النصب لأنك إذا رفعت لم تجد قبله ما تبدله منه ، وإن نصبت دخلت تحت تقديم المستثنى على ما استثني منه ، وهذا وإن كان ليس في قوة تأخيره عنه فقد جاء على كل حال ، فاعرف ذلك أصلا في العربية تحمل عليه غيره ، انتهى.
وقال ابن إياز ـ في نحو : فيها قائما رجل : أبو الفتح يسمّي هذا الحمل : أحسن القبيحين : لأن الحال من النكرة قبيح ، وتقديم الصفة على الموصوف أقبح ، فحمل على أحسنهما.
وقال (٢) ابن يعيش : إنما امتنع العطف على عاملين عند الخليل وسيبويه لأن حرف العطف خلف عن العامل ونائب عنه ، وما قام مقام غيره فهو أضعف منه في سائر أبواب العربية ، فلا يجوز أن يتسلّط على عمل الإعراب بما لا يتسلط ما أقيم مقامه ، فإذا أقيم مقام الفعل لم يجز أن يتسلط على عمل الجرّ ، فلذا لم يخرجوا قولهم في المثل (ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة) (٣) على العطف على عاملين كما هو رأي الكوفيين ، حيث جعلوا جرّ بيضاء بالعطف على سوداء والعامل فيها
__________________
(١) انظر الخصائص (١ / ٢١٢).
(٢) انظر شرح المفصّل (٣ / ٢٧).
(٣) انظر المستقصى في الأمثال (٢ / ٣٢٨).