كلّ ، ونصب شحمة عطفا على خبر ما ، ومثله عندهم : ما زيد بقائم ولا قاعد عمرو ، ويخفضون قاعدا بالعطف على قائم المخفوض بالباء ، ويرفعون عمرو بالعطف على اسم (ما) بل يخرجونه على حذف المضاف وإبقاء عمله.
فإن قيل (١) : حذف المضاف وإبقاء عمله على خلاف الأصل وهو ضعيف والعطف على عاملين ضعيف أيضا ، فلم كان حمله على الجار أولى من حمله على العطف على عاملين؟!
قيل : لأن حذف الجار قد جاء في كلامهم وله وجه من القياس ، فأما مجيئه فنحو : [الرجز]
١٢٧ ـ وبلدة ليس بها أنيس
أي : وربّ بلدة ، وقولهم في القسم : (الله لأفعلن) وقول رؤبة لما قيل له كيف أصبحت (خير عافاك الله) أي : بخير.
وقد حمل أصحابنا قراءة حمزة (وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] على حذف الجار ، وأن التقدير فيه : وبالأرحام ، والأمر فيه ليس ببعيد ذلك البعد ، فقد ثبت بهذا جواز حذف الجار في الاستعمال ، وإن كان قليلا ؛ ولم يثبت في الاستعمال العطف على عاملين ، فكان حمله على ما له نظير أولى ، وهو من قبيل أحسن القبيحين.
وأما من جهة القياس فلأن الفعل لما كان يكثر فيه الحذف وشاركه الحرف الجار في كونه عاملا جاز فيه ما جاز في الفعل على سبيل الندرة.
حمل الشيء على الشيء
من غير الوجه الذي أعطى الأول ذلك الحكم
عقد له ابن جنّي بابا في (الخصائص) (٣) ، قال : اعلم أن هذا باب طريقه الشبه
__________________
(١) انظر شرح المفصل (٣ / ٢٧).
١٢٧ ـ الرجز لجران العود في ديوانه (ص ٩٧) ، وخزانة الأدب (١٠ / ١٥) ، والدرر (٣ / ١٦٢) ، والكتاب (١ / ٣٢١) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٤٠) ، وشرح التصريح (١ / ٣٥٣) ، وشرح المفصّل (٢ / ١١٧) ، والمقاصد النحوية (٣ / ١٠٧) ، وبلا نسبة في الإنصاف (١ / ٢٧١) ، وأوضح المسالك (٢ / ٢٦١) ، والجنى الداني (ص ١٦٤) ، وجواهر الأدب (ص ١٦٥) ، وخزانة الأدب (٤ / ١٢١) ، ورصف المباني (ص ٤١٧) ، وشرح الأشموني (١ / ٢٢٩) ، وشرح المفصّل (٢ / ٨٠) ، ولسان العرب (كنس) ومجالس ثعلب (ص ٤٥٢) ، والمقتضب (٢ / ٣١٩) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٢٥).
(٢) انظر الخصائص (١ / ٢١٣).