وقال أبو حيان في شرح (التسهيل) : (إلّا) إما أن تقترن بما بعدها قرينة تدلّ على أنه داخل في حكم ما قبلها أو خارج عنه ، إن اقترن بذلك قرينة كان على حسبها ، وإن لم تقترن به قرينة فالذي عليه أكثر المحققين أنه لا يدخل في حكم ما قبلها وهو الصحيح ، لأن الأكثر في كلامهم إذا اقترنت قرينة أن لا يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها ، فإذا عرّي عن القرينة وجب الحمل على الأكثر.
الحمل على المعنى
قال في الخصائص (١) : اعلم أن هذا النوع غور من العربية بعيد ومذهب نازح فصيح ، وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثورا ومنظوما ، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث ، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد ، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول ، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا ، وغير ذلك.
فمن تذكير المؤنث قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٨]. أي هذا الشخص (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة : ٢٧٥] لأن الموعظة والوعظ واحد ، (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ) [الأعراف : ٥٦] أراد بالرحمة هنا المطر.
ومن تأنيث المذكّر قراءة من قرأ تلتقطه بعض السيارة [يوسف : ١٠] وقولهم : ذهبت بعض أصابعه ، أنّث ذلك ، لما كانت بعض السيارة سيارة في المعنى وبعض الأصابع إصبعا ، وقولهم : ما جاءت حاجتك ، لما كانت (ما) هي الحاجة في المعنى ، وأنشدوا : [الطويل]
١٢٨ ـ أتهجر بيتا بالحجاز تلفّعت |
|
به الخوف والأعداء من كلّ جانب |
ذهب بالخوف إلى المخافة ، وقال : [البسيط]
١٢٩ ـ يا أيّها الرّاكب المزجي مطيّته |
|
سائل بني أسد ما هذه الصّوت |
أنث على معنى الاستغاثة ، وحكى الأصمعي عن أبي عمرو أنه سمع رجلا من
__________________
(١) انظر الخصائص (٢ / ٤١١).
١٢٨ ـ الشاهد بلا نسبة في اللسان (خوف).
١٢٩ ـ الشاهد لرويشد بن كثير الطائي في الدرر (٦ / ٢٣٩) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ١١) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٦٦) ، وشرح المفصّل (٥ / ٩٥) ، ولسان العرب (صوت) وبلا نسبة في الإنصاف (ص ٧٧٣) ، والخصائص (٢ / ٤١٦) ، وتخليص الشواهد (ص ١٤٨) ، وخزانة الأدب (٤ / ٢٢١) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٥٧).