والآخر : أن تكون فتحة النون من أينما فتحة التركيب ، وتضم أين إلى ما ، فيبنى الأول على الفتح كما في حضرموت ، وبيت بيت ، وحينئذ يقدر في الألف فتحة ما لا ينصرف في موضع الجر ويدل على أنه قد يضم (ما) هذه إلى ما قبلها ما أنشدناه أبو علي عن أبي عثمان : [الرجز]
١٦٠ ـ أثور ما أصيدكم أم ثورين |
|
أم تيكم الجمّاء ذات القرنين |
فقوله : أثور ما ، فتحة الراء منه فتحة تركيب ثور مع ما بعده كفتحة راء حضرموت ، ولو كانت فتحة إعراب لوجب التنوين لا محالة لأنه مصروف ، وبنيت ما مع الاسم مبقاة على حرفيتها كما بنيت لا مع النكرة في نحو لا رجل ، والكلام في ويحما هو الكلام في أثور ما.
وأخبرنا أبو علي أن أبا عثمان ذهب في قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣] إلى أنه جعل (مثل) و (ما) اسما واحدا فبنى الأول على الفتح ، وهما جميعا عنده في موضع رفع صفة لحق.
ومما خلعت عنه دلالة الاستفهام قول الشاعر ـ أنشدناه أبو علي ـ : [البسيط]
١٦١ ـ أنّى جزوا عامرا سوأى بفعلهم |
|
أم كيف يجزونني السّوأى من الحسن |
أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به |
|
ريمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن |
ف (أم) في أصل الوضع للاستفهام ، كما أن كيف كذلك ، ومحال اجتماع حرفين (٣) لمعنى واحد ، فلا بد أن يكون أحدهما قد خلعت عنه دلالة الاستفهام. وينبغي أن يكون ذلك الحرف (أم) دون (كيف) حتى كأنه قال :
بل كيف ينفع ، فجعلها بمنزلة (بل) للترك والتحول ، ولا يجوز أن تكون (كيف) هي المخلوعة عنها دلالة الاستفهام لأنها لو خلعت عنها لوجب إعرابها لأنها إنما بنيت لتضمنها معنى حرف الاستفهام ، فإذا زال ذلك عنها وجب إعرابها كما أعرب (من) في قولهم : (ضرب من منا) لمّا خلعت عنها دلالة الاستفهام.
ومن ذلك كاف الخطاب للمذكر والمؤنث نحو : رأيتك ، هي تفيد شيئين :
__________________
١٦٠ ـ الشاهد بلا نسبة في الأشباه والنظائر (٢ / ١٤٠) ، والخصائص (٢ / ١٨٠) ، ورصف المباني (ص ٣٣٦) ، ولسان العرب (ثور) ، و (قرن) ، وتهذيب اللغة (٩ / ٩٠).
١٦١ ـ الشاهد لأفنون التغلبي في شرح اختيارات المفصل (ص ١١٦٤) ، وتاج العروس (سوأ) ، والبيان والتبيين (١ / ٩) ، والخزانة (١١ / ١٤٩) ، وبلا نسبة في لسان العرب (سوأ).
(١) انظر الخصائص (٢ / ١٨٤).