أهلكت منفسا إن أهلكته ، وساغ إضمار (إن) وإن لم يجز إضمار لام الأمر إلا ضرورة ، لاتساعهم فيها بدليل إيلائهم إياها الاسم ، لأن تقدمها مقو للدلالة عليها ، ولهذا أجاز سيبويه : بمن تمرر أمرر ، ومنع من تصرف انزل حتى يقول : عليه.
وقال فيمن قال : مررت برجل صالح إلا صالح فطالح ـ بالخفض ـ إنه أسهل من إضمار (ربّ) بعد الواو ، وربّ شيء يكون ضعيفا ثم يحسن للضرورة كما في : ضرب غلامه زيدا ، فإنه ضعيف جدا ، وحسن في : ضربوني وضربت قومك ، واستغني بجواب الأولى عن جواب الثانية كما استغني في نحو : أزيدا ظننته قائما ، بثاني مفعولي ظننت المذكورة عن ثاني مفعولي المقدرة.
ربّ شيء يصحّ تبعا ولا يصحّ استقلالا
قال ابن هشام في (المغني) (١) : (أما) حرف شرط بدليل لزوم الفاء بعدها نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ) [البقرة : ٢٦] الآية ، ولو كانت الفاء عاطفة لم تدخل على الخبر ، إذ لا يعطف الخبر على مبتدئه ، ولو كانت زائدة لصحّ الاستغناء عنها ، ولما لم يصحّ ذلك وقد امتنع كونها للعطف تعيّن أنها فاء الجزاء فإن قلت : فقد استغنى عنها في قوله : [الطويل]
١٦٦ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم |
|
[ولكنّ سيرا في عراض المواكب] |
قلت : هو ضرورة ، فإن قلت : فقد حذفت في التنزيل في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران : ١٠٦] قلت : الأصل فيقال لهم : أكفرتم ، فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف وربّ شيء يصح تبعا ولا يصحّ استقلالا ، كالحاج عن غيره ، يصلي عنه ركعتي الطواف ، ولو صلى أحد عن غيره ابتداء لم يصح.
ربما كان في الشيء لغتان فاتفقوا على إحداهما في موضع كقولهم : لعمر الله ، وأنت تقول : العمرو العمر ، ذكره الفارسي في (التذكرة).
__________________
(١) انظر المغني (١ / ٥٧).
١٦٦ ـ الشاهد للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه (ص ٤٥) ، وخزانة الأدب (١ / ٤٥٢) ، والدرر (٥ / ١١٠) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ١٠٦) ، وأوضح المسالك (٤ / ٢٣٤) ، والجنى الداني (ص ٥٢٤) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ٢٦٥) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١٠٧) ، وشرح شواهد المغني (ص ١٧٧) ، وشرح ابن عقيل (ص ٥٩٧) ، وشرح المفصّل (٧ / ١٣٤) ، والمنصف (٣ / ١١٨) ، ومغني اللبيب (ص ٥٦) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥٧٧) ، والمقتضب (٢ / ٧١) ، وهمع الهوامع (٢ / ٦٧).