معان في أنفسها وإنما معانيها في غيرها ، وأما الذي معناه في نفسه وهو الاسم فأصله أن لا يعمل في غيره ، وإنما وجب أن يعمل الحرف في كل ما دلّ على معنى فيه لأنه اقتضاه معنى فيقتضيه عملا لأن الألفاظ تابعة للمعاني ، فكما تشبث الحرف بما دخل عليه معنى وجب أن يتشبث به لفظا وذلك هو العمل ، فأصل للحرف أن يكون عاملا ، فنذكر الحروف التي لم تعمل وسبب سلبها العمل :
فمنها : (هل) فإنها تدخل على جملة قد عمل بعضها في بعض وسبق إليها الابتداء أو الفاعلية ، فدخلت لمعنى في الجملة لا لمعنى في اسم مفرد فاكتفي بالعامل السابق قبل هذا الحرف وهو الابتداء ونحوه.
وكذلك (الهمزة) فإنها حرف دخل لمعنى في الجملة ، ولا يمكن الوقوف عليه ولا يتوهم انقطاع الجملة عنه ، لأنه حرف مفرد لا يوقف عليه ، ولو توهم ذلك فيه لعمل في الجملة ليؤكدوا بظهور أثره فيها تعلقه بها ودخوله عليها واقتضاءه لها ، كما فعلوا في (إن) وأخواتها حيث كانت كلمات من ثلاثة أحرف فصاعدا ، يجوز الوقوف عليها : كأنه وليته ولعلّه ، فأعملوها في الجملة إظهارا لارتباطها وشدة تعلقها بالحديث الواقع بعدها. وربما أرادوا توكيد تعلق الحرف بالجملة إذا كان مؤلفا من حرفين نحو : (هل) فربما توهم الوقف عليه ، أو خيف ذهول السامع عنه ، فأدخل في الجملة حرف زائد ينبه السامع عليه ، وقام ذلك الحرف مقام العمل نحو : هل زيد بذاهب ، وما زيد بقائم ، فإذا سمع المخاطب الباء وهي لا تدخل في الثبوت تأكد عنده ذكر النفي والاستفهام وأن الجملة غير منفصلة عنه. ولذلك أعمل أهل الحجاز (ما) النافية لشبهها بالجملة.
ومن العرب من اكتفى في ذلك التعلق وتأكيده بإدخال الباء في الخبر ، ورآها نائبة في التأثير عن العمل الذي هو النصب. وإنما اختلفوا في (ما) ولم يختلفوا في هل لمشاركة (ما) لليس في النفي ، فحين أرادوا أن يكون لها أثر في الجملة يؤكد تشبهها بها جعلوا ذلك الأثر كأثر ليس وهو النصب ، والنصب في باب ليس أقوى لأنها كلمة كليت ولعل وكأن ، والوهم إلى انفصال الجملة عنها أسرع منه إلى توهم انفصال الجملة عن ما وهل ، فلم يكن بدّ من إعمال ليس وإبطال معنى الابتداء السابق ، وكذلك إذا قلت : ما زيد إلا قائم فلم يعملها أحد منهم لأنه لا يتوهم انقطاع زيد عن (ما) لأن (ألا) لا تكون إيجابا إلا بعد نفي ، فلم يتوهم انفصال الجملة عن (ما) ولذلك لم يعملوها عند تقدم الخبر نحو : ما قائم زيد ، إذ ليس من رتبة النكرة أن تكون مبتدأ بها مخبرا عنها إلا مع الاعتماد على ما قبلها ، فلم يتوهم المخاطب