من الياء دون الأصل الذي هو الواو رجوعا إلى الظاهر الأقرب إليك دون الأول الأبعد عنك ، ففي هذا تقوية لإعمال الثاني من الفعلين لأنه الأقرب.
وليس كذلك صرف ما لا ينصرف ولا إظهار التضعيف ، لأن هذا هو الأصل الأول على الحقيقة وليس وراءه أصل هذا أدنى إليك منه كما كان فيما تقدم ، فاعرف الفرق بين ما هو مردود إلى أول دون ما هو أسبق رتبة منه ، وبين ما يرد إلى أول ليست وراءه رتبة متقدمة له.
المبحث الرابع : في مراجعة أصل واستئناف فرع
قال ابن جنّي : اعلم أن كل حرف غير منقلب احتجت إلى قلبه فإنك حينئذ ترتجل له فرعا ولست تراجع به أصلا.
ومن ذلك الألفات غير المنقلبة الواقعة أطرافا للإلحاق أو للتأنيث أو لغيرها من الصيغة لا غير ، فالتي للإلحاق كألف (أرطى) فيمن قال : (مأروط) و (حنبطى) و (دلنظى) ، والتي للتأنيث كألف سكرى وغضبى وجمادى ، والتي للصيغة لا غير كألف ضبغطرى وقبعثرى وزبعرى ، فمتى احتجت إلى تحريك واحدة من هذه الألفات للتثنية أو الجمع قلبتها ياء فقلت : أرطيان وحبنطيان وكذا الباقي ، فهذه الياء فرع مرتجل وليست مراجعا بها أصل ، لأنه ليس واحدة منها منقلبة أصلا لا عن ياء ولا غيرها ، بخلاف الألف المنقلبة كألف مغزى ومدعى ، لأن هذه منقلبة عن ياء منقلبة عن واو في : غزوت ودعوت وأصلهما مغزو ومدعو ، فلما وقعت الواو رابعة هكذا قلبت ياء فصارت مغزي ومدعي ، ثم قلبت الياء ألفا فصارت مغزى ومدعى ، فلما احتجت إلى تحريك هذه الألف راجعت بها الأصل الأقرب وهو الياء فصارتا ياء في مغزيان ومدعيان.
وقد يكون الحرف منقلبا فتضطر إلى قلبه فلا ترده إلى أصله الذي كان منقلبا عنه ، وذلك كقولك في حمراء : حمراوي وحمراوات ، فتقلب الهمزة واوا وإن كانت منقلبة عن ألف ، وكذلك إذا نسبت إلى شقاوة فقلت : شقاوي فهذه الواو في شقاوي بدل من همزة مقدرة ، كأنك لما حذفت الهاء فصارت الواو طرفا أبدلنها همزة فصارت في التقدير إلى شقاء فأبدلت الهمزة واوا فصارت شقاوي ، فالواو إذن في شقاوي غير الواو في شقاوة ، ولهذا نظائر في العربية كثيرة.
ومنها : قولهم في الإضافة إلى عدوة عدوي ، وذلك أنك لما حذفت الهاء حذفت لها واو فعولة ، كما حذفت لحذف تاء حنيفة ياءها فصارت في التقدير إلى