وقال الشلوبين : النحويون يقولون : إن حروف المعاني إنما هي مختصر الأفعال فهي نائبة مناب الأفعال ، تعطي من المعنى ما تعطيه الأفعال ، إلا أن الأفعال اختصرت بالحروف فإن الأفعال تقتضي أزمنة ، وأمكنة ، وأحداثا ، ومفعولين وفاعلين ، ومحالا لأفعالهم ، وغير ذلك من معمولات الأفعال ، فاختصر ذلك كله بأن جعل في مواضعها ما لا يقتضي شيئا من ذلك ، ولذلك كرهوا أن يجمعوا بين حرفين لمعنى واحد ، ولم يكرهوا ذلك في الأسماء والأفعال لأن ذلك نقيض ما وضعت عليه من الاختصار ، قال : وبهذا يبطل قول من قال : إن الأسماء الستة وامرأ وابنما معربة بشيئين من مكانين ، لأن العرب إذا كانت لا تجمع بين حرفين لمعنى واحد ، لكونه نقيض موضوعها من الاختصار ، فلأن ذلك في الحركة أحق وأولى لأن الحركة أخصر من الحرف.
وقال ابن الدهان في الغرة : فإن قيل : فهلا جاز : إن لزيدا قائم ، بالجمع بينهما لأنهما للتأكيد ، كما جمع بين تأكيدين في أجمع وأكتع؟ فالجواب أن الغرض في هذه الحروف الدوال على المعاني إنما هو التخفيف والاختصار ، فلا وجه للجمع بين حرفين لمعنى إذ فيه نقض الغرض ، وإذا تباعد عنه استجيز الجمع بينهما ، كما جمع بين حرف النداء والإضافة ، ويمتنع الجمع بينه وبين لام التعريف.
لا يجتمع ألفان
قال ابن الخباز : إذا وقفت على المقصور وقفت عليه بالألف التي هي بدل من التنوين فتقول : رأيت عصا ، فهذه الألف كالألف في رأيت زيدا ، وكان معك في التقدير ألفان بدل من واو ، وبدل من التنوين فحذفت إحداهما لئلا يجتمع ألفان ، قال : وجاء رجل إلى أبي إسحاق الزجاج فقال له : زعمتم أنه لا يمكن الجمع بين ألفين ، فقال : نعم ، فقال : أنا أجمع ، فقال : (ما) ومد صوته ، فقال له الزجاج : حسبك ولو مددت صوتك من غدوة إلى العصر لم تكن إلا ألفا واحدة ، قال : وكانت الأولى أولى بالحذف لأن الطارئ يزيل حكم الثابت.
ومن فروع هذه القاعدة : إذا جمع المقصور بالألف والتاء قلبت ألفه ياء ، كقولك في حبلى : حبليات ، لأنه لا يجتمع ألفان وحذفها هنا غير ممكن.
لا يجتمع خطابان في كلام واحد
قال أبو علي في التذكرة : الدليل على هذا الأصل قولهم : أرأيتك زيدا ما فعل؟ ، ألا ترى أن كاف الخطاب لما لحقت الفعل خلع الخطاب من التاء؟ والدليل