وقال أيضا : إنما عدل عن طلب التعيين بأي إلى الهمزة وأم طلبا للاختصار لأن قولك : أزيد عندك أم عمرو؟ أخصر من قولك ، أيّ الرجلين عندك زيد أم عمرو؟
وقال ابن يعيش (١) : فصّل سيبويه (٢) بين ألقاب حركات الإعراب وألقاب حركات البناء فسمّى الأولى : رفعا ونصبا وجرا وجزما ، والثانية : ضما وفتحا وكسرا ووقفا ، للفرق والإغناء عن أن يقال : ضمّة حدثت بعامل ونحوه ، فكان في التسمية فائدة الإيجاز والاختصار.
اختصار المختصر لا يجوز
لأنه إجحاف به ، ومن ثم لم يجز حذف الحرف قياسا. قال ابن جني في (المحتسب) (٣) : أخبرنا أبو علي قال : قال أبو بكر : حذف الحرف ليس بقياس لأن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار ، فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هي أيضا واختصار المختصر إجحاف به ، ومن ثم أيضا لم يجز حذف المصدر والحال إذا كانا بدلا من اللفظ بفعلهما ، ولا الحال النائبة عن الخبر ، ولا اسم الفعل دون معموله لأنه اختصار للفعل.
وفي (شرح التسهيل) لأبي حيان : لا يجوز حذف (لا) من (لا سيما) ، لأن حذف الحرف خارج عن القياس فلا ينبغي أن يقال لشيء منه إلا حيث سمع ، وسبب ذلك أنهم يقولون : حروف المعاني إنما وضعت بدلا من الأفعال طلبا للاختصار ، ولذلك أصل وضعها أن تكون على حرف أو حرفين ، وما وضع مؤدّيا معنى الفعل واختصر في حروف وضعه لا يناسبه الحذف لها.
وقال ابن هشام في (حواشي التسهيل) : لا يجوز حذف جواب (إما) لأن شرطها حذف ، فلو حذف الجواب أيضا لكان إجحافا بها.
وقال صاحب (البسيط) : القياس يقتضي عدم حذف حروف المعاني وعدم زيادتها لأن وضعها للدلالة على المعاني ؛ فإذا حذفت أخلّ حذفها بالمعنى الذي وضعت له ، وإذا حكم بزيادتها نافى ذلك وضعها للدلالة على المعنى ، ولأنهم جاؤوا بالحروف اختصارا عن الجمل التي تدلّ معانيها عليها ، وما وضع للاختصار لا يسوغ
__________________
(١) انظر شرح المفصل (١ / ٧٢).
(٢) انظر الكتاب (١ / ٤١).
(٣) انظر المحتسب (١ / ٥١).