وذلك أنّ الأفعال أحداث الأسماء ، يعنون بالأسماء أصحاب الأسماء ، والاسم قبل الفعل ، لأن الفعل منه ، والفاعل سابق لفعله. وأما الحروف فإنما تدخل على الأسماء والأفعال لمعان تحدث فيها ، وإعراب تؤثره ، وقد دللنا على أن الأسماء سابقة للإعراب والإعراب داخل عليها ، والحروف عوامل في الأسماء ، والأفعال مؤثرة فيها المعاني والإعراب قد وجب أن يكون بعدها.
سؤال يلزم القائلين بهذه المقالة :
يقال لهم : قد أجمعتم على أن العامل قبل المعمول فيه كما أن الفاعل قبل فعله ، وكما أن المحدث سابق لحدثه. وأنتم مقرّون أن الحروف عوامل في الأسماء والأفعال ، فقد وجب أن تكون الحروف قبلها جميعا سابقة لها ، وهذا لازم على أوضاعكم ومعانيكم.
الجواب ، أن يقال : هذه مغالطة ليس تشبه هذا الحديث المحدث ولا العلّة ولا المعلول ، وذلك أنّا نقول : إن الفاعل في جسم فعلا ما ، من حركة وغيرها سابق لفعله ذلك فيه لا للجسم ، فنقول : إنّ الضارب سابق لضربه الذي أوقعه بالمضروب ولا يجب من ذلك أن يكون المضروب أكبر سنّا من الضارب ، ونقول أيضا : إن النجّار سابق للباب الذي نجّره ، ولا يجب من ذلك أن يكون سابقا للخشب الذي نجر منه الباب ، وكذلك مثال هذه الحروف العوامل في الأسماء والأفعال وإن لم تكن أجساما ، فنقول : الحروف سابقة لعملها في هذه الأسماء والأفعال الذي هو الرفع والنصب والخفض والجزم ، ولا يجب من ذلك أن تكون سابقة للأسماء والأفعال نفسها ، وهذا شيء بيّن واضح ، انتهى.
الاسم أخفّ من الصفة
وذلك أن الصفة ثقلت بالاشتقاق وبالحاجة إلى الموصوف وتتحمل الضمير ، وفرع على ذلك فروع
منها : أن الجمع بالألف والتاء تسكّن فيه العين في الصفة كصعبة وصعبات وجذلة وجذلات وعيشة رغد وعيشات رغدات ، وطريق نهج أي واضح وطرق نهجات ، وتحرّك في الاسم كجفنة وجفنات وهند وهندات وسدرة وسدرات وغرفة وغرفات قال : [الطويل]
٣٨ ـ لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضّحى |
|
[وأسيافنا يقطرن من نجدة دما] |
__________________
٣٨ ـ الشاهد لحسان بن ثابت في ديوانه (١٣١) ، والكتاب (٤ / ٥٧) ، وأسرار العربية (ص ٣٥٦) ،