الاشتقاق
بسطت الكلام عليه فيما يتعلق باللغة في (المزهر) (١) ونذكر هنا فوائد متعلقة بالنحو :
الفعل والمصدر أيهما أصل :
الأولى : مذهب البصريين ، أن الفعل مشتقّ من المصدر ، وقال الكوفيون (٢) : المصدر مشتقّ من الفعل ، وقال أبو البقاء في (التبيين) : ولما كان الخلاف واقعا في اشتقاق أحدهما من الآخر لزم في ذلك بيان شيئين :
أحدهما : حد الاشتقاق. والثاني : أن المشتقّ فرع على المشتقّ منه. فأما الحدّ ، فأقرب عبارة فيه ما ذكره الرماني وهو قوله : الاشتقاق : اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه الأصل ، فقد تضمّن هذا الحدّ معنى الاشتقاق ولزم منه التعرّض للفرع والأصل.
أما الفرع والأصل فهما في هذه الصناعة غيرهما في صناعة الأقيسة الفقهية ، فالأصل هاهنا يراد به الحروف الموضوعة على المعنى وضعا أوليا ، والفرع لفظ يوجد فيه تلك الحروف مع نوع تغيير ينضمّ إليه معنى زائد على الأصل ، والمثال في ذلك : (الضرب) مثلا ، فإنه اسم موضوع على الحركة المعلومة المسمّاة (ضربا) ، ولا يدلّ لفظ الضرب على أكثر من ذلك ، فأما ضرب ، ويضرب وضارب ، ومضروب ، ففيها حروف الأصل وهي : الضاد والراء والباء ، وزيادات لفظية لزم من مجموعها الدلالة على معنى الضرب ومعنى آخر.
وقال الزملكاني في (شرح المفصّل) : مأخذ الخلاف بين البصريين والكوفيين في أن المصدر مشتقّ من الفعل أو عكسه ، الخلاف في حدّ الاشتقاق ، فقال قوم : هو عبارة عن الإتيان بألفاظ يجمعها أصل واحد مع زيادة أحدهما على الآخر في المعنى ، نحو قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) [الروم : ٤٣].
وقوله عليه الصلاة والسّلام : «ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها» (٣) ، وأما قوله تعالى : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) [الرحمن : ٥٤] ، فشبه المشتقّ ، وليس به لأن الجنى ليس في معنى الاجتنان.
__________________
(١) انظر المزهر للسيوطي (١ / ٣٤١).
(٢) انظر الإنصاف مسألة (٢٨).
(٣) انظر الشفاء للقاضي عياض (١ / ١٧٥).