الأصل مطابقة المعنى للفظ
ومن ثم قال الكوفيون : إن معنى (أفعل به) (١) في التعجب أمر كلفظه ، وأما البصريون فقالوا : إن معناه التعجّب لا الأمر ، وأجابوا عن القاعدة بأن هذا الأصل قد ترك في مواضع عديدة فليكن متروكا هنا. قال ابن النحاس في (التعليقة) : وللكوفيين أن يقولوا : لم يترك هذا الأصل في موضع إلا لحامل ، فما الذي حملهم على تركه هنا ، ويجاب بأن الحامل موجود وهو أن اللفظ إذا احتيج في فهم معناه إلى إعمال فكر كان أبلغ وآكد مما إذا لم يكن كذلك ، لأن النفس حينئذ تحتاج في فهم المعنى إلى فكر وتعب فتكون به أكثر كلفا وضنّة مما إذا لم تتعب في تحصيله ، وباب التعجّب موضع المبالغة ، فكان في مخالفة المعنى للفظ من المبالغة ما لا يحصل باتفاقها فخالفنا لذلك ، وقد ورد الخبر بلفظ الأمر في قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] وجاء عكس ذلك ، انتهى.
ومن المواضع الخارجة عن ذلك ورود لفظ الاستفهام بمعنى التسوية في : سواء عليّ أقمت أم قعدت ، ولفظ النداء بمعنى الاختصاص في «اللهم اغفر لنا أيّتها العصابة» (٢).
الأصل أن يكون الأمر كلّه باللّام من حيث كان معنى من المعاني
والمعاني إنما الموضوع لها الحروف فجاء الأمر ما عدا المخاطب لازم اللام على الأصل ، واستغنى في فعل المخاطب عنها فحذفت هي وحروف المضارعة لدلالة الخطاب على المعنى المراد ، وقد يؤتى بها على الأصل كقوله تعالى : فلتفرحوا [يونس : ٥٨] فيمن قرأها بالتاء الفوقية ، وفي الحديث : «لتأخذوا مصافّكم» (٣). وإتيانه بغير لام هو الكثير ذكر ذلك ابن النحاس في (التعليقة).
الأصل في الأفعال التصرّف
ومن التصرّف تقديم المنصوب بها على المرفوع واتصال الضمائر المختلفة بها ذكره أبو البقاء في (التبيين) قال : وقد استثنى منها نعم وبئس وعسى وفعل التعجب فإن تقديم المنصوب فيها غير جائز.
__________________
(١) انظر الكتاب (٤ / ٢١٤).
(٢) انظر الكتاب (٣ / ١٩٤) ، جاء في الحاشية (قال السيرافي : لأنك لست تناديه وإنما تختصّه ، فتجريه على حرف النداء ، لأن النداء فيه اختصاص فيشبه به للاختصاص لأنه منادى).
(٣) انظر أسرار العربية (ص ٣١٨) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٤٧) ، والإنصاف المسألة (٧٢).