وصدرها لا آخرها وعجزها ، فتقديرها أول : لأن زيدا منطلق ، فلما كره تلاقي حرفين لمعنى واحد وهو التوكيد أخرت اللام إلى الخبر ، فصار : إن زيدا لمنطلق.
وإنما أخّرت اللام ولم تؤخر (إنّ) لأوجه :
منها : أن اللام لو تقدّمت وتأخرت (إنّ) لم يجز أن تنصب اسمها الذي من عادتها نصبه.
ومنها : أنه لو تأخّرت ونصب لأدّى إلى عمل إن فيما قبلها و (إنّ) لا تعمل إلا فيما بعدها.
ومن : إصلاح اللفظ : قولهم : كأنّ زيدا عمرو ، وأصل الكلام زيد كعمرو ، ثم أرادوا توكيد الخبر فزادوا فيه (إنّ) فقالوا : إنّ زيدا كعمرو ، ثم إنهم بالغوا في توكيد الشبه فقدّموا حرفه إلى أول الكلام عناية به وإعلاما أن عقد الكلام عليه ، فلما تقدّمت الكاف وهي جارة لم يجز أن تباشر (إنّ) لأنها تقطع عنها ما قبلها من العوامل ، فوجب لذلك فتحها فقالوا كأن زيدا عمرو.
ومن ذلك قولهم : لك مال ، وعليك دين ، فالمال والدين هنا مبتدآن وما قبلهما خبر عنهما إلا أنك لو رمت تقديمهما إلى المكان المقدر لهما لم يجز لقبح الابتداء بالنكرة في الواجب ، فلما جفا ذلك في اللفظ أخّروا المبتدأ وقدّموا الخبر فكان ذلك سهلا عليهم ومصلحا ما فسد عندهم ، وإنما كان تأخيره مستحسنا من قبل أنه لما تأخر وقع موقع الخبر ، ومن شرط الخبر أن يكون نكرة ، فلذلك صلح به اللفظ ، وإن كنا قد أحطنا علما بأنه في المعنى مبتدأ ، فأما من رفع الاسم في نحو هذا بالظرف فقد كفي مؤونة هذا الاعتذار ، لأنه ليس مبتدأ عنده ، ومن ذلك امتناعهم من الإلحاق بالألف إلا أن تقع آخرا نحو : أرطى ومعزى وحبنطى وسرندى ، وذلك أنها إذا وقعت طرفا وقعت موقع حرف متحرّك ، فدل ذلك على قوتها عندهم ، وإذا وقعت حشوا وقعت موقع الساكن فضعفت ، لذلك فلم تقو ، فيعلم بذلك إلحاقها بما هي على سمت متحركة ، ألا ترى أنك لو ألحقت بها ثانية فقلت حاتم ملحق بجعفر ، لكانت مقابلة لعينه وهي ساكنة ، فاحتاطوا للّفظ بأن قابلوا بالألف فيه الحرف المتحرّك ليكون أقوى لها وأدلّ على شدة تمكّنها وليعلم ثبوتها أيضا وكون ما هي فيه على وزن أصل من الأصول له أنها للإلحاق به ، وليست كذلك ألف قبعثرى وضبغطرى ؛ لأنها وإن كانت طرفا ومنوّنة فإن المثال الذي هي فيه لا مصعد للأصول إليه فيلحق هذا به ، لأنه لا أصل لنا سداسيا فإنما ألف قبعثرى قسم من الألفات الزوائد في أواخر الكلم ثالث لا للتأنيث ولا للإلحاق.