ومن ذلك : أنهم لما أجمعوا الزيادة في آخر بنات الخمسة كما زادوا في آخر بنات الأربعة خصّوا بالزيادة فيه الألف استخفافا لها ورغبة فيها هناك دون أختيها الياء والواو ، وذلك أن بنات الخمسة لطولها لا ينتهى إلى آخرها إلا وقد ملّت ، فلما تحملوا الزيادة في آخرها طلبوا أخفّ الثلاثة وهي الألف فخصّوها بها وجعلوا الواو والياء حشوا في نحو : عضرفوط وجعفليق ، لأنهم لو جاؤوا بهما طرفا وسداسيين مع ثقلهما لظهرت الكلفة في تجشمهما ، وكدت في احتمال النطق بهما كل ذلك لإصلاح اللفظ. ومن ذلك باب الإدغام في المتقارب نحو : ودّ في وتد ، ومن الناس من يقول : ميقول في : من يقول ، ومنه جميع باب التقريب نحو : اصطبر وازدان ، وجميع باب المضارعة نحو مصدر وبابه.
ومن ذلك تسكينهم لام الفعل إذا اتصل بها علم الضمير المرفوع نحو : ضربت وضربن وضربنا ، وذلك أنهم أجروا الفاعل هنا مجرى جزء من الفعل فكره اجتماع الحركات التي لا توجد في الواحد فأسكنوا ما قبل الضمير (اللام) إصلاحا للفظ.
ومن ذلك : أنهم أرادوا أن يصفوا المعرفة بالجملة كما وصفوا بها النكرة ولم يجز أن يجروها عليها لكونها نكرة ، فأصلحوا اللفظ بإدخال (الذي) ليباشر بلفظ حرف التعريف المعرفة ، فقالوا : مررت بزيد الذي قام أخوه ، وطريق إصلاح اللفظ كثير واسع.
وذكر (١) ابن يعيش في قولهم : سواء عليّ أقمت أم قعدت ، أن سواء مبتدأ ، والفعلان بعده كالخبر لأن بهما تمام الكلام وحصول الفائدة ، قال : فكأنهم أرادوا إصلاح اللفظ وتوفيته حقه.
وقال (٢) ابن يعيش : اعلم أن قولهم : أقائم الزيدان ، إنما أفاد نظرا إلى المعنى ، إذ المعنى : أيقوم الزيدان ، فتمّ الكلام لأنه فعل وفاعل ، وقائم هنا اسم من جهة اللفظ ، وفعل من جهة المعنى ، فلما كان الكلام تاما من جهة المعنى أرادوا إصلاح اللفظ فقالوا : أقائم مبتدأ والزيدان يرتفع به وقد سّد مسدّ الخبر ، من حيث أن الكلام تمّ به ولم يكن ثم خبر محذوف.
قال : وأما قولهم : (ضربي زيدا قائما) فهو كلام تامّ باعتبار المعنى ، إلا أنه لا بدّ من النظر للفظ وإصلاحه ، لكون المبتدأ فيه بلا خبر ، وذلك أن (ضربي) مبتدأ
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٩٣).
(٢) انظر شرح المفصّل (١ / ٩٦).