أصلحتها والهمزة للسلب كما تقول : أشكيت الرجل إذا أزلت شكايته ، والمعنى على هذا أن الإعراب أزال عن الكلام التباس معانيه.
الثالث : أنه مشتقّ من ذلك والهمزة للتعدية لا للسلب ، والمعنى على هذا الكلام كان فاسدا لالتباس المعاني ، فلما أعرب فسد بالتغيير الذي لحقه ، وظاهر التغيير فساد وإن كان صلاحا في المعنى.
الرابع : أنه منقول من التحبّب ، ومنه : امرأة عروب ، إذا كانت متحببة إلى زوجها ، والمعنى على هذا أن المتكلم بالإعراب يتحبّب إلى السامع.
الخامس : أنه منقول من أعرب الرجل إذا تكلم بالعربية ، لأن المتكلم بغير الإعراب غير متكلّم بالعربية لأن اللغة الفاسدة ليست من العربية ، انتهى.
والمعنى على هذا أن المتكلم بالإعراب موافق للغة العربية.
المبحث الثالث : في الإعراب والكلام أيهما أسبق
قال الزجاجي في (إيضاح علل النحو) (١) : فإن قال قائل : أخبروني عن الإعراب والكلام أيهما أسبق؟
قيل له : إن للأشياء مراتب في التقديم والتأخير ، إما بالتفاضل أو بالاستحقاق أو بالطبع أو على حسب ما يوجبه المعقول ، فنقول : إن الكلام سبيله أن يكون سابقا للإعراب ، لأنا قد نرى الكلام في حال غير معرب ولا يختلّ معناه ، ونرى الإعراب يدخل عليه ويخرج ومعناه في ذاته غير معدوم ، مثل ذلك أن الاسم نحو : زيد ومحمد وجعفر وما أشبه ذلك ، معربا كان أو غير معرب لا يزول عنه معنى الاسمية ، وكذلك الفعل المضارع نحو : يقوم ويذهب ويركب معربا كان أو غير معرب لا يسقط عنه معنى الفعلية ، وإنما يدخل الإعراب لمعان تعتور هذه الأشياء ، ومع هذا فقد رأينا الشيء من الكلام الذي ليس بمعرب قريبا من معربه كثرة ؛ وذلك أن الأفعال الماضية مبنية على الفتح ، وفعل الأمر للواحد إذا كان بغير اللام مبني على الوقف نحو : (يا زيد اذهب واركب) وحروف المعاني مبنية كلّها ، وكثير من الأسماء بعد هذا مبني ولم تسقط دلالتها على الاسمية ولا معانيها عما وضعت له ، فعلمنا بذلك أن الإعراب عرض داخل في الكلام لمعنى يوجده ويدلّ عليه ، فالكلام إذا سابق في الرتبة والإعراب تابع من توابعه.
__________________
(١) انظر الإيضاح في علل النحو (٦٧).