يدخلها حروف المعاني أولا ووسطا ، فما دخلها أولا كقولك : الرجل والغلام ، وما دخلها وسطا ياء التصغير في قولك : فريخ وفليسن.
ولو كان الأمر على ما ذهب إليه قائل هذا القول لوجب أن لا يدخل على اسم حرف معنى إلا بعد كمال بنائه. قال : والقول عندي فيه هو الذي عليه جملة النحويين أن الاسم يبنى على أبنية مختلفة منها : «فعل وفعل وفعل وفعل» وما أشبه ذلك من الأبنية ، فلو جعل الإعراب وسطا ، لم يدر السامع أحركة إعراب أم حركة بناء ، فجعل الإعراب في آخر الاسم ، لأن الوقف يدرك فيسكن فيعلم أنه إعراب ، فإذا كان وسطا لم يمكن ذلك فيه.
وقال أبو إسحاق الزجاج : كان أبو العباس المبرد يقول : لم يجعل الإعراب أولا لأن الأول تلزمه الحركة ضرورة للابتداء لأنه لا يبتدأ إلا بمتحرك ولا يوقف إلا على ساكن ، فلما كانت الحركة تلزمه لم تدخل عليه حركة الإعراب ، لأن حركتين لا تجتمعان في حرف واحد ، فلما فات وقوعه أولا لم يمكن أن تجعل وسطا ، لأن أوساط الأسماء مختلفة لأنها تكون ثلاثية ورباعية وخماسية وسداسية وسباعية وأوساطها مختلفة ، فلما فات ذلك جعل آخرا بعد كمال الاسم ببنائه وحركاته.
وقال آخرون : الإعراب إنما دخل في الكلام دليلا على المعاني ، فوجب أن يكون تابعا للأسماء ، لأنه قد قام الدليل على أنه ثان بعدها ، وهذا القول قريب من الأول ، وكل من هذه الأقوال مقنع في معناه.
إعطاء الأعيان حكم المصادر وإعطاء المصادر حكم الأعيان
قال ابن الشجري في أماليه (١) : من مذاهب العرب للمبالغة إعطاء الأعيان حكم المصادر وإعطاء المصادر حكم الأعيان.
فمن ذلك قولهم : أخطب ما يكون الأمير قائما ، (فأخطب) إنما هو للأمير ، وقد أضافوه إلى (ما) المصدرية ، ولفظة أفعل التي وضعوها للمفاضلة مهما أضيفت إليه صارت بعضه ، ولما أضافوا (أخطب) إلى (ما) وهي موصولة بـ (يكون) صار (أخطب) كونا ، فالتقدير : أخطب كون الأمير ، فهذا وصف للمصدر بما يوصف به العين ، والمعنى راجع إلى الأمير ، فلذلك سدّت الحال مسدّ خبر هذا المبتدأ ، إذ الحال لا تسدّ مسدّ خبر المبتدأ إلا إذا كان المبتدأ اسم حدث كقولك : ضربي زيدا جالسا ، ولا تسدّ مسدّ خبر المبتدأ إذا كان اسم عين.
__________________
(١) الأمالي لابن الشجري (١ / ٦٩).