ومن إعطاء العين حكم المصادر حتى وصفوه بالمصدر أو جرى خبرا عنه قوله تعالى : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) [يوسف : ١٨] أي : مكذوب به ، وقوله : (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) [الملك : ٣٠] أي : غائرا ، وقوله : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) [البقرة : ٢٦٠] أي : ساعيات ، فسعيا مصدر وقع موقع الحال كقولهم ، قتلته صبرا ، أي : مصبورا ، والمعنى : محبوسا.
ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) [هود : ٤٦] أي : ابنك عمل في أحد الأقوال وهو أوجهها ، جعله العمل اتساعا لكثرة وقوع العمل غير الصالح منه كقولهم : ما أنت إلّا نوم ، وما زيد إلّا أكل وشرب ، وإنما أنت دخول وخروج ، ومنه قول الخنساء : [البسيط]
٤٠ ـ [ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت] |
|
فإنّما هي إقبال وإدبار |
فهذا كلّه من تنزيل الأعيان منزلة المصادر.
فأما تنزيل المصادر منزلة الأعيان فكقولهم : موت مائت ، وشيب شائب ، وشعر شاعر ، انتهى.
الأفعال نكرات
لأنها موضوعه للخبر ، وحقيقة الخبر أن يكون نكرة لأنه الجزء المستفاد ، ولو كان الفعل معرفة لم يكن فيه للمخاطب فائدة ؛ لأن حدّ الكلام أن تبتدئ بالاسم الذي يعرفه المخاطب كما تعرفه أنت ثم تأتي بالخبر الذي لا يعلمه ليستفيده ، ذكر ذلك ابن يعيش في (شرح المفصّل) (٢).
ومن فروعه : أن الإضافة إلى الأفعال لا تصحّ ، قال (٣) ابن يعيش : لأن الإضافة ينبغي بها تعريف المضاف وإخراجه من إبهام إلى تخصيص على حسب خصوص المضاف إليه في نفسه ، والأفعال لا تكون إلا نكرات ، ولا يكون شيء منها أخصّ من شيء فامتنعت الإضافة إليها لعدم جدواها ، إلا أنهم قد أضافوا أسماء الزمان إلى
__________________
٤٠ ـ الشاهد للخنساء في ديوانها (ص ٣٨٣) ، وخزانة الأدب (١ / ٤٣١) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٢٨٢) ، والكتاب (١ / ٤٠٠) ، والشعر والشعراء (١ / ٣٥٤) ، لسان العرب (رهط) و (قبل) و (سوا) ، والمقتضب (٤ / ٣٠٥) ، والمنصف (١ / ١٩٧) ، وبلا نسبة في المفصّل (١ / ١١٥) ، والمحتسب (٢ / ٤٣).
(١) شرح المفصّل (١ / ٢٤).
(٢) انظر شرح المفصّل (٣ / ١٦).