(الشخص المطيع لله والممتثل لأوامره ، والذي يتوب إلى الباري عزوجل إثر أبسط غفلة أو زلّة) من جهة ثالثة ، كلّها تدلّ على عظمة مقام هذا النّبي الكبير.
وعبارة (إنّه أوّاب) هي نفس العبارة التي جاءت بحقّ والده داود في الآية (١٧) من نفس السورة ، ورغم أنّ كلمة (أوّاب) صيغة مبالغة وتعني كثير الرجوع وغير محدودة ، فإنّها هنا تعني العودة لطاعة الأمر الإلهي ، العودة إلى الحقّ والعدالة ، العودة من الغفلة وترك العمل بالأولى.
الآية التالية تبدأ بقصّة خيل سليمان ، التي فسّرت بأشكال مختلفة ، حيث أنّ البعض فسّرها بصورة سيّئة ومعارضة لموازين العقل ، حتّى أنّه لا يمكن إيرادها بشأن إنسان عادي ، فكيف ترد بحقّ نبي عظيم كسليمان عليهالسلام.
ولكن المحقّقين بعد بحثهم في الدلائل العقليّة والنقلية أغلقوا الطريق أمام أمثال هذه التّفسيرات ، وقبل أن نخوض في الاحتمالات المختلفة الواردة ، نفسّر الآيات وفق ظاهرها أو (وفق أقوى احتمال ظاهري لها) لكي نوضّح أنّ القرآن الكريم خال من مثل هذه الادّعاءات المزيّفة التي فرضت على القرآن من قبل الآخرين.
إذ يقول القرآن : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ).
«صافنات» جمع (صافنة) وقال معظم اللغويين والمفسّرين : إنّها تطلق على الجياد التي تقوم على ثلاث قوائم وترفع أحد قوائمها الإمامية قليلا ليمسّ الأرض على طرف الحافر ، وهذه الحالة تخصّ الخيول الأصلية التي هي على أهبّة الاستعداد للحركة في أيّة لحظة (١).
«الجياد» جمع (جواد) وتعني الخيول السريعة السير ، وكلمة «جياد» مشتقّة في الأصل من (جود) ، والجود عند الإنسان يعني بذل المال ، وعند الخيول يعني سرعة سيرها. وبهذا الشكل فإنّ الخيول المذكورة تبدو كأنّها على أهبّة الاستعداد
__________________
(١) ويرى البعض : إنّ (صافنات) ، تستعمل للمذكّر والمؤنث ، ولهذا فإنّها لا تختّص بإناث الخيل.