كلّا ، إنّه طلب من البارئ عزوجل أن يمهله إلى يوم يبعثون كي ينتقم من أبناء آدم عليهالسلام ويدفعهم جميعا إلى طريق الضلال ، رغم علمه بأنّ إضلاله لكلّ إنسان سوف يضيف لذنوبه حملا ثقيلا جديدا من الذنوب ، ويغرقه في مستنقع الكفر والعصيان ، كلّ ذلك بسبب اللجاجة والتكبّر والغرور والحسد ، فما أكثر المصائب التي تتولّد للإنسان من هذه الصفات الذميمة.
وفي الحقيقة ، إنّه كان يريد الاستمرار في إغواء بني آدم حتّى آخر فرصة متاحة له ، لأنّ في يوم البعث تسقط التكاليف عن الإنسان ، ولا معنى هناك للوساوس والإغواءات ، إضافة إلى هذا فقد طلب من الله عزوجل أن يبقيه حيّا إلى يوم القيامة ، رغم أنّ كلّ الموجودين في العالم يموتون في هذه الدنيا.
وهنا اقتضت مشيئة الله سبحانه ـ بدلائل سنشير إليها ـ أن يستجيب الله لطلب إبليس ، ولكن هذه الاستجابة كانت مشروطة وليست مطلقة ، كما توضّحه الآية التالية : (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ).
ولكن ليس إلى يوم البعث الذي تبعث فيه الخلائق ، وإنّما إلى زمان معلوم ، قال تعالى : (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).
وهنا أعطى المفسّرون آراء مختلفة بشأن تفسير (يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) حيث قال البعض : إنّه يوم نهاية العالم ، لأنّ كلّ الموجودات الحيّة من ذلك اليوم تموت ، وتبقى ذات الله المقدّسة فقط ، كما ورد في الآية (٨٨) من سورة القصص : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) وبهذا الشكل فقد استجيب لجزء من مطالب إبليس.
والبعض الآخر قال : إنّ ذلك اليوم هو يوم القيامة ، ولكن هذا الاحتمال لا يتلاءم مع ظاهر آيات بحثنا التي يتّضح منها أنّ البارئ عزوجل لم يستجب لكلّ مطاليبه ، كما أنّ هذا الاحتمال لا يتلاءم حتّى مع بقيّة آيات القرآن الكريم التي تتحدّث عن موت الجميع مع نهاية هذا العالم.
وقال البعض : إنّ هذه الآية يحتمل أنّها تشير إلى زمان لا يعرفه أحد سوى الله