تحمل شخص مسئولية أعماله ، لأن قضية التكليف لا يكتمل معناها بدون هذا الأمر ، قال تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
ولأنّه لا معنى للتكليف إن لم يكن هناك عقاب وثواب ، فالآية تشير في المرحلة الرّابعة إلى قضية المعاد ، وتقول : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
ولكون مسألة الحساب والعقاب لا يمكن أن تتمّ ما لم يكن هناك اطلاع وعلم كاملين بالأسرار الخفية للإنسان ، تختتم الآية بالقول : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
بهذا الشكل ، ومن خلال جمل قصار ، استعرضت فلسفة التكليف وخصوصياته ومسئولية الإنسان ومسألة العقاب والجزاء والثواب. وهذه الآية جواب قاطع لمن يتولى المذهب الجبري ، الذي انتشر ـ ممّا يؤسف له ـ في صفوف بعض الطوائف الإسلامية ، لأنّ الآيات الكريمة تقول وبصراحة : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ).
وهذا دليل واضح على أن إرادة الكفر لم تفرض على الكافرين (كما يقول بذلك أتباع المذهب الجبري) لأنّ من البديهي أنّ من لا يرتضي شيئا لا يأتي به ، فهل يمكن أنّ تكون إرادة الله منفصلة عن رضاه؟ متعصبو المذهب الجبري يثيرون العجب عند ما يعمدون إلى ستر هذه العبارة الواضحة من خلال حصر كلمة (العباد) بالمؤمنين أو المعصومين ، في حين أنّها كلمة ذات معنى مطلق وتشمل بصورة واضحة كلّ العباد ، نعم ، فالباري ، عزوجل لا يرتضي الكفر لأحد من عباده ، مثلما يرتضي الشكر لكلّ عباده من دون أي استثناء (١).
__________________
(١) هناك بحث مفصل في ذيل الآية (٥) من سورة إبراهيم ـ عن أهمية وفلسفة الشكر وعن مفهومها الحقيقي وأبعادها.