وهنا نزلت الآية الكريمة : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ ...) (١).
ثم يقول تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢) (٣).
هل أن هذا الحديث هو من قبل الله تعالى ، وأن كلام الأعضاء والجوارح ينتهي إلى قوله تعالى : (أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ، أم أنّ ما يليه استمرار له؟
المعنى الثّاني يبدو أكثر توافقا ، وعبارات الآية تتلاءم معه أكثر ، بالرغم من أن أعضاء الجسم وجوارحه إنّما تتحدث هنا بأمر الله تعالى وبإرادته ، والمعنى في الحالتين واحد تقريبا.
* * *
بحثان
الأوّل : حسن الظن وسوء الظن بالله تعالى
توضح الآيات بشكل قاطع خطورة سوء الظن بالله تعالى ، ومآل ذلك إلى الهلاك والخسران.
وبعكس ذلك فإنّ حسن الظن بالله تعالى سبب للنجاة في الدنيا والآخرة.
وفي حديث عن الإمام الصادق عليهالسلام يقول : «ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنّه يشرف على النّار ، ويرجوه رجاء كأنّه من أهل الجنّة ، إنّ الله تعالى يقول : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ ...) ثم قال : إنّ الله عند ظن عبده ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر» (٤).
__________________
(١) نقل هذه الحادثة (باختلاف) الكثير من المفسّرين ، منهم : القرطبي ، الطبرسي ، الفخر الرازي ، الألوسي ، المراغي ، وكذلك نقل الحادثة كلّ من البخاري ومسلم والترمذي ، وما أوردناه أعلاه مأخوذ عن القرطبي مع التصرّف. المجلد الثامن ، صفحة ٥٧٩٥.
(٢) «ذلكم» مبتدأ و (ظنكم) خبر له. لكن البعض احتمل أنّ (ظنكم) بدل و (أرداكم) خبر (ذلكم).
(٣) «أرداكم» من «ردى» على وزن «رأى» وتعني الهلاك.
(٤) عن مجمع البيان نهاية تفسير الآية مورد البحث.