ثم قال له : إن يكن الأمر كما تقول ، وليس كما نقول ، نجونا ونجوت. وإن يكن الأمر كما نقول ، وهو كما نقول نجونا وهلكت.
فأقبل عبد الكريم على من معه وقال : وجدت في قلبي حزازة (ألم) فردّوني ، فردوه فمات (١).
* * *
مسألة :
يثار هنا السؤال الآتي : لقد قرأنا في الآيات التي نبحثها قوله تعالى : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) ولكنّا نقرأ في سورة «الإسراء» قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) (٢)
والسؤال هنا كيف نوفق بين الآيتين ، إذ المعروف أنّ الدعاء دليل الأمل ، في حين تتحدث الآية الأخرى عن يأس أمثال هؤلاء؟
أجاب بعض المفسّرين على هذا السؤال بتقسيم الناس إلى مجموعتين ، مجموعة تيأس نهائيا عند ما تصاب بالشر والبلاء ، واخرى تصر على الدعاء برغم ما بها من فزع وجزع (٣).
البعض الآخر قال : إنّ اليأس يكون من تأمّل الخير أو دفع الشر عن طريق الأسباب المادية العادية ، وهذا لا ينافي أن يلجأ الإنسان إلى الله بالدعاء (٤).
ويحتمل أن تكون الإجابة من خلال القول بأنّ المقصود من (فَذُو دُعاءٍ
__________________
(١) الكافي ، المجلد الأول ، ص ٧٧ ـ ٧٨ ، كتاب التوحيد باب حدوث العالم.
(٢) الإسراء ، الآية ٨٣.
(٣) تفسير روح البيان ، المجلد الثامن ، صفحة ٢٨٠.
(٤) تفسير الميزان ، مجلد ١٧ ، ص ٤٢٨ ، لكن هذا التفسير لا يناسب المقام كثيرا ، خاصة وإن الآيات أعلاه هي بصدد ذم مثل هؤلاء الأشخاص ، في حين أن قطع الأمل من الأسباب الظاهرية والتوجه نحو الله ليس عيبا وحسب ، بل يستحق التنويه والمدح.