جاء في آخر الآية : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ).
فإن كان أهل جهنم مستقرين في ظلل من النّار ، كما ورد في الآية السابقة : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) فإنّ لأهل الجنّة غرفا من فوقها غرف اخرى ، وقصور فوقها قصور اخرى ، لأنّ منظر الورود والماء والأنهار والبساتين من فوق الغرف يبعث على اللذة والبهجة بشكل أكثر.
«غرف» جمع «غرفة» من مادة «غرف» وعلى وزن حرف ـ بمعنى تناول الشيء ولذا يطلق على من يتناول الماء بكفه ليشربه «غرفة» ثمّ أطلقت على الطبقات العليا من المنازل.
وكشفت الآية أيضا عن أن غرف أهل الجنّة الجميلة قد زينت بأنهار تجري من تحتها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) نعم ، هذا وعد الله (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) (١).
* * *
بحوث
١ ـ منطق حرية التفكير في الإسلام
الكثير من المذاهب الوضعية تنصح أتباعها بعدم مطالعة ومناقشة مواضيع وآراء بقية المذاهب ، إذ أنّهم يخافون من أن تكون حجّة الآخرين أقوى من حجّتهم. الضعيفة وبالتالي فقدان اتباعهم.
إلّا أنّ الإسلام ـ كما شاهدنا في الآيات المذكورة أعلاه ـ ينتهج سياسة الأبواب المفتوحة في هذا المجال ، إذ يعتبر المحققين هم عباد الله الحقيقيين الذين لا يرهبون سماع آراء الآخرين ، ولا يستسلمون لشيء من دون أي قيد أو شرط ،
__________________
(١) يقول «الزمخشري» في الكشاف : (وَعْدَ اللهِ) منصوب لكونه مفعولا مطلقا للتأكيد ، ولأنّ عبارة (لَهُمْ غُرَفٌ) تعني وعدهم الله غرفا.