ليس الظلم والجور ، وإنّما (بغى) تعني (طلب) أي يكون معنى الآية أنّهم يطلبون أكثر ولا يشبعون.
إلّا أنّ التّفسير الأوّل مقبول من قبل عدّة مفسّرين وهو الأفضل كما يظهر ، لأن عبارة : (يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ) وردت عدة مرات في الآيات القرآنية بمعنى الفساد والظلم في الأرض ، مثل : (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) (١) و (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) (٢).
صحيح أن (بغى) وردت بمعنى (طلب) أيضا ، إلّا أنّها متى ما تذكر مع كلمة (في الأرض) فإنها تعني الفساد والظلم في الأرض.
وهنا يطرح سؤالان :
الأوّل : لو كان تقسيم الأرزاق وفق هذا البرنامج ، فلما ذا إذن نرى أشخاصا لهم رزق وفير وقد أفسدوا وطغوا كثيرا في الدنيا ولم يمنعهم الخالق ، سواء على مستوى الأفراد ، أو الدول الناهبة والظالمة؟
وفي الجواب على هذا السؤال يجب الانتباه إلى هذه الملاحظة ، وهي أن بسط الرزق أحيانا قد يكون أسلوبا للامتحان والاختبار ، لأن جميع الناس يجب أن يختبروا في هذا العالم ، فقسم منهم يختبرون بواسطة المال.
وأحيانا قد يكون بسط الرزق لبعض الافراد لكي يعلموا بأن الثروة لا تجلب السعادة ، فعسى أن يعثروا على الطريق ويرجعوا إلى خالقهم ، ونحن الان نرى بعض المجتمعات غرقى بأنواع النعم والثروات ، وفي نفس الوقت شملتهم مختلف المصائب والمشاكل ، كالخوف ، والقتل ، والتلوث الخلقي ، والقلق بأنواعه المختلفة.
فأحيانا تكون الثروة غير المحدودة نوعا من العقاب الإلهي الذي يشمل
__________________
(١) يونس ، الآية ٢٣.
(٢) آية ٤٢ من نفس هذه السورة.