العلماء (١) «أن الخليل سأل الأصمعي أن يفرّق بين مصطلحي الخفض والجر» فقد ظل التناوب بين المصطلحين للمعرب والمبني قائما لدى الخليل فيما ورد عنه ، ففي (الجمل) (٢) : قال «تفسير وجوه الخفض ، وهي تسعة : خفض بعن وأخوتها ، وخفض بالإضافة وخفض بالجوار ... إلخ» ثم قال (٣) «فالجر بعن وأخوتها قولك عن محمد ولعبد الله ... إلخ» والملاحظ أن ذلك في حالة الإعراب ، وعند ما تكلم عن حالة بناء (أمس) على الكسر قال (٤) «وأمس أيضا مخفوض في الفاعل والمفعول به. تقول : أتيته أمس» إذن لم يكن هناك تفريق بين الخفض والجر ، وإن كان هناك تفريق بين الإعراب والبناء غالبا لدى الخليل كما رأينا منذ قليل.
خامسا : فهم السيرافي للخليل على أنه يقصد في (أمس) البناء ؛ فعندما قال سيبويه (٥) : «وسألت الخليل عن قوله : (فداء لك) ، فقال : بمنزلة (أمس) ؛ لأنها كثرت في كلامهم ؛ والجرّ كان أخف عليهم من الرفع ، إذا أكثروا استعمالهم إياه وشبهوه بأمس ، ونوّن لأنه نكرة ، فمن كلامهم أن يشبهوا الشيء بالشيء ، وإن كان ليس مثله في جميع الأشياء». يعلق السيرافي على قول الخليل «بمنزلة أمس» قائلا (٦) يعني أنه مبني. وإنما بني لأنه وضع موضع الأمر : كأنه قال : (ليفدك أبي وأمّي) فبناء كلمة «أمس» عند الخليل كان واضحا لدى السيرافي وهو ضد الإعراب.
لم يبق إذا في نهاية الأمر إلا أن نقول : لعل سيبويه كان يقصد المعنى الأول وهو تعريف (أمس) ودلالتها على معين عن طريق تقدير (ال) ولهذا اعترض عليه ، وفي اعتراضه وجاهة ومنطق ، ويبقى القول : بأنه لا تناقض بين الوارد عن الخليل في (الكتاب) أو (المنظومة) أو (الجمل) ، فاتسقت الأقوال دون تعارض أو مخالفة إلا في محاولة تفسير أو فهم ، دون أن يمسّ جوهر الموضوع أو يظهر نوع من التناقض فيما روي عنه.
__________________
(١) مجالس العلماء ٢٥٣.
(٢) الجمل ١٧٢.
(٣) السابق نفسه.
(٤) السابق ١٨١.
(٥) الكتاب ٣ / ٣٠٢.
(٦) الكتاب ٣ / ٣٠٢ (هامش) نقلا عن شرح كتاب سيبويه للسيرافي.