لنذهب إلى بعض النحاة لنعرض رأيهم ثم نعود إلى الخليل مرة أخرى يقول الرضى (١) «واعلم أن التعجب انفعال يعرض للنفس عند الشعور بأمر يخفى سببه ، ولهذا قيل إذا ظهر السبب بطل العجب» هل يمكن أن يكون هذا الانفعال نوعا من المدح أو الذم حيث يكون الشعور رضا أو غضبا.
يقول ابن يعيش : (٢) «اعلم أن التعجب معنى يحصل عند المتعجب عند مشاهدة ما يجهل سببه ، ويقل في العادة وجود مثله ، وذلك المعنى كالدهش والحيرة» هل يكون معنى الدهش والحيرة المشار إليهما نوعا من المدح أو الذم؟
يشير سيبويه إلى المثال الذي يقول : (ما أحسن عبد الله!) ثم يقول (٣) : «زعم الخليل أنه بمنزلة قولك : (شئ أحسن عبد الله) ، ودخله معنى التعجب. وهذا تمثيل ، ولم يتكلم به» هل يمكن الإحساس بالمدح في مثل هذا المثال ، ويكون الإحساس بالذم في مثل قولنا : (ما أسوأ هذا الطقس!) مثلا.
لعل ما أورده المبرد من هذا القبيل حينما يقول (٤) : «فإن قال قائل : أرأيت قولك : (ما أحسن زيدا!) ، أليس في التقدير والإعمال ـ لا في التعجب ـ بمنزلة قولك : (شئ حسّن زيدا) ، فكيف تقول هذا في قولك : (ما أعظم الله يا فتى!) وما أكبر الله!؟ قيل له : التقدير على ما وصفت لك. والمعنى : (شئ عظّم الله يا فتى) ، وذلك الشئ الناس الذين يصفونه بالعظمة ، كقولك : (كبّرت كبيرا) و (عظّمت عظيما) وما وصف الناس هذا إلّا نوع من المدح والتعظيم للمولى ـ عزّ وجل.
ولعل تفسير الخليل وتعليقه في كتاب (الجمل) على المثال نفسه الذي أورده في الكتاب يقربنا من تلك الدلالة. يقول الخليل (٥) : «قولهم : (ما أحسن زيدا!) ، (وما أكرم عمرا!) ، وهو في التّمثال بمنزلة الفاعل والمفعول به. كأنه قال : (شئ حسّن زيدا). وحدّ التعجب ما يجده الإنسان من نفسه عند خروج الشئ من عادته» ونحن نعلم أن خروج الشئ من عادته إنما يكون خروجا
__________________
(١) شرح الكافية ٢ / ٣٠٧.
(٢) شرح المفصل ٧ / ١٤٢.
(٣) الكتاب ١ / ٧٢.
(٤) المقتضب ٤ / ١٧٦.
(٥) الجمل ٤٩.