أما الشق الثاني من القضية ، فهو عدم جواز النصب في مثل : (عليك عبد الله مشفق) ، فلا يجوز نصب (مشفق) ؛ لأنه لا يجوز الاكتفاء بقولنا : (عليك عبد الله) ، وكلام الخليل يحسم الأمر عن طريق أسلوب القصر الوارد في قوله :
ما فيه إلا الرفع شيء يعرب
وقد أشار سيبويه إلى مثل ما قاله الخليل في قوله (١) : «وأما بك مأخوذ زيد ، فإنه لا يكون إلا رفعا ، من قبل أن بك لا تكون مستقرا لرجل. ويدلك على ذلك نازل ؛ أنه لا يستغني عليه السكوت» ثم قال بعد قليل (٢) : «ومثل ذلك : (عليك نازل زيد) ، لأنك لو قلت : (عليك زيد) ، وأنت تريد النزول لم يكن كلاما». وهذا يتماثل مع عدم جواز عليك عبد الله وتريد الإشفاق ، ولهذا لا يجوز إلا الرفع.
ولو قرأنا ما جاء في كتاب (الجمل) لوجدناه مشابها تماما لما جاء في (الكتاب) حتى في بعض أمثلته ، يقول الخليل : (٣) :
«في الدار زيد واقف. وإن شئت (واقفا) ، الرفع على خبر الصفة ، والنصب على الاستغناء وتمام الكلام. ألا ترى أنك تقول : (في الدار زيد) ، وقد تم كلامك ، وإذا لم يتم كلامك فليس إلا الرفع : (بك زيد مأخوذ) ، (وإليك محمد قاصد) ألا ترى أنك قلت (بك زيد) لم يكن كلاما حتى تقول (مأخوذ).
وبالمقارنة بين ما ورد عند سيبويه نجد المثال نفسه : (بك زيد مأخوذ). هل يمكن أن يكون ما ورد لدى سيبويه من قبيل المصادفة ، أم أنه متأثر بأستاذه الخليل؟ على أية حال فقد نسب سيبويه الشق الأكبر من كلامه للخليل أيضا بدليل ما ورد في (الجمل) له.
لكن العجيب في الأمر أن الخليل قد أورد هذه القضية في المنظومة تحت عنوان «حروف الجر» وسيبويه أوردها تحت باب (ما ينتصب فيه الخبر) ،
__________________
(١) الكتاب ٢ / ١٢٤.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) الجمل ١٣٩.