البيت الأول ، تعلم عن التاء الزائدة فقط ؛ لهذا نلاحظ أنه قال بعد التمثيل للتاءين متحدثا عن التاء الأصلية :
فنصبت لما أن أتت أصلية |
|
وكذاك ينصبها أخونا قطرب |
وهناك ملاحظة تظهر في التمثيل عند الخليل في معظم نماذجه ، هذه الملاحظة هي أنه يستمر مع مثاله إلى أن يعطي معنى من المعاني ربما كان حكمة أو موقفا إيجابيا لشئ من الأشياء ، مع أنه لو اكتفى بموضع التمثيل فقط لكان المعنى ، لا نقص فيه ، ألّا أنه يفضل دائما الاستمرار مع المعنى إلى أن يكون شيئا ذا بال.
والأمثلة السابقة خير دليل على ذلك عند ما يمثل بقوله : [وسمعت عمات الفتى] كان من الممكن الاكتفاء بذلك لكنه جاء بالجملة الحالية (يندبنه) وكان من الممكن ايضا التوقف عند هذا الحد ، لكنه أكمل البيت بتلك الحكمة الواردة في الشطر الثاني والتي تدل على براعة شديدة في استدعاء المعنى المتوافق مع المعنى السابق فقال :
كل امرئ لا بد يوما يندب
وهذا ما حدث في البيت التالي عند ما مثّل بقوله : «ودخلت أبيات الكرام» كان من الممكن الاكتفاء بهذا القدر ، من التمثيل حيث أعطى المثال معنى مفيدا ؛ لكنه أكمل المثال بقوله : «فأكرموا زورى» بالعطف على ما قبله. وكان من الممكن أيضا أن يكتفى بهذا القدر إلا أنه آثر أن يوضح بشاشة هؤلاء القوم بالإضافة إلى كرمهم فقال : «وبشّوا في الحديث وقربّوا».
فالخليل لم يترك المعنى إلا بعد اكتماله تماما وبعد إعطاء صورة دقيقة لما يتحدث فيه. وهذه الطريقة جعلت أمثلته تأخذ حيزا أكبر من الأحكام النحوية من حيث الشكل العام للمنظومة ؛ وربما كان حرص الخليل على ذلك من منطق التركيز لا على القاعدة فحسب ، ولكن على المعنى أيضا. وما قدمناه في المثالين السابقين قليل من كثير ، فهذا هو النهج العام الذي اتبعه الخليل في هذه المنظومة التعليمية.