فقد جاء الخليل بأمثلة متنوعة مراعيا الأشكال المتغايرة للمبتدأ والخبر دون أن يشير إلى تلك التفصيلات. وربما اعتمد في ذلك على المعلّم الذي يقوم بتوجيه الطلاب وإرشادهم ، فلم يكن الخليل إذا يشقق القواعد النحوية ويفصلها بقدر ما كان يعتمد على التمثيل المتنوع مع ذكر القاعدة العامة في أول الأمر ، وهكذا كان يفعل ذلك دائما ، ويستطيع المتأمل في أي باب أن يجد ذلك مجسدا في المنظومة.
وهذه النماذج والأمثلة الواردة تعطي صورة علمية واجتماعية للخليل حيث تظهر حكمته البالغة ، والحكمة في أقواله ، وتدينه العميق ولعل ما ورد من حكمة في منظومته يتشابه مع ما ورد من حكمة في أقواله الأخرى ولنقرأ نموذجا واحدا دالا على حكمته العميقة يقول الخليل (١) :
لا خير في رجل يعرض نفسه |
|
للذم لا .. لا خير فيمن يغضب |
حكمة بالغة الأثر تدل على رجل تمرس بالحياة وخبرها جيدا ، أيضا تدل نماذجه على تقواه وإخلاصه وحبّه لدينه ، كما تدل على عمق إيمانه ، ولعل ما ذكر سابقا دال على ذلك. وسنكتفي هنا بنموذجين فقط حيث كثرت نماذجه الدالة على صدق إيمانه والتزامه بشريعة الله التزاما مطلقا.
يقول (٢) :
وتقول لا تدع الصلاة لوقتها |
|
فيخيب سعيك ثم لا تستعتب |
ويقول أيضا (٣) :
فأجب ولا تدع الصلاة جماعة |
|
إن الصلاة مع الجماعة أطيب |
وقد كثرت نماذجه الدالة على ذلك (٤) :
كذلك تدل نماذجه وتمثيله على أن الخليل كان محبّا للغزل في أقوال ، ويبدو أنه آمن بأن الأمثلة والنماذج لا بد أن تخرج عن مرحلة الجمود إلى
__________________
(١) البيت ٢٥٩.
(٢) البيت ٢٣٤.
(٣) البيت ١٦٥.
(٤) تناولت هذه القضية بالتفصيل تحت عنوان شخصية الخليل من خلال منظومته وأوردت كثيرا من النماذج تدل على شخصية الخليل