مقدمة
في تاريخ التراث اللغوي العربي ظهرت منظومات نحوية كثيرة ، توالى تأليف تلك المنظومات منذ نشأة النحو العربي ، مصاحبا لتلك الفترة التي عاشها الخليل بن أحمد في القرن الثاني الهجري ، والتي بدأ فيها علم النحو يأخذ شكلا أشبه بالعلم المتكامل ، إلى أن نضج على يد عالم النحو الأكبر سيبويه تلميذ الخليل ، ولعل توالي تأليف هذه المنظومات منذ تلك الفترة قد استمر دون انقطاع ، بطيئا مرة ، متواليا مرة أخرى ، حنا التاريخ على بعض هذه المنظومات النحوية فظهرت واشتهرت بين الدارسين ، وأصبحت مضرب المثل في الإشارة إلى هذا النوع من التأليف مثل : ألفية ابن مالك وألفية السيوطي وألفية ابن معط ، وجار التاريخ على بعضها ، وتخلى عنه فظل حبيسا بين أحضان المخطوطات القديمة تحنو الأوراق على هذا البعض وتستأثر به ، وأصبح الإفلات من بين طيات هذه المخطوطات يحتاج إلى مغامر ينقب محاولا الكشف وتأصيل النسبة ، والتأكد من صدق المادة العلمية المنسوبة إلى صاحبها ، وقد تمثل هذا النوع من المنظومات التي لم تأخذ حظها من الظهور في منظومة الخليل بن أحمد ، والتي كتبت في القرن الثاني الهجري.
وهناك فترة زمنية مسكوت عنها تقترب من ثلاثة قرون أو أكثر ، وهي ما بين كتابة الخليل لمنظومته وظهور مجموعة من المنظومات (الألفيات النحوية) على يد ابن معط أو ابن مالك أو غيرهما. تلك الفترة لا ندرى ـ حتى هذه اللحظة ـ هل وجدت بها منظومات ثم فقدت ، أو وجدت بها منظومات ولكنها تجوهلت ؛ لأنها تهتم بالجانب التعليمي ، الذي يهتم عادة بعرض القضايا العامة ، دون الدخول في تفصيلات علمية ، نتناول الجزئيات الصغيرة الأكثر عمقا ، والخوض في مسائل الخلاف ، وربما وجدت في تلك الفترة منظومات صغيرة الحجم ، ولكنها لم تجد من يعيرها