ما لم يعارض ذلك اعتبارات أخرى تجعل بعض النسخ أولى من بعض في الثقة والاطمئنان ، كصحة المتن ، ودقة الكاتب ، وقلة الأسقاط» (١) وفي هذه الحالة تقدم النسخة الأحدث أو النسخة التي لا تحمل تاريخا ويؤكد الشيخ عبد السّلام هارون هذا المبدأ مرة أخرى عند ما يقول (٢) : «لكننا إذا اعتبرنا بقدم التاريخ فقد نفاجأ بأن ناسخ أقدم النسخ مغمور أو ضعيف ، ونلمس ذلك في عدم إقامته للنص أو عدم دقته ، فلا يكون قدم التاريخ عندئذ مسوغا لتقديم النسخة ، فقد نجد أخرى أحدث تاريخا منها ، وكاتبها عالم دقيق ، يظهر ذلك في حرصه وإشاراته إلى الأصل ، فلا ريب في تقديم هذه النسخة الأحدث تاريخا».
وإذا كان هذا التمايز بين النسخ قائما مع وجود التاريخ ومعرفة الناسخ ، فما بالنا وليس بين أيدينا معرفة للنسخة الأقدم أو الأحدث ، وكذلك ليس لدينا معرفة بالناسخ لعدم ذكره اسمه أو سقوطه من آخر المنظومة ، وفي هذه الحالة تكون التفرقة والتقديم قائمين على دقة النص وعدم وجود أغلاط مع ضبط صحيح وإحساس تام بالأمانة العلمية من ناسخها ، وهذا ما لوحظ في النسخة (أ) لهذا قدّمت على غيرها.
ثالثا : قمت بتفسير الكلمات التي تحتاج إلى إبانة وإفصاح من خلال الكشف عنها في بعض المعاجم ، وقد رجعت إلى معجم (العين) للخليل في كل كلمة حيث كان استخدام معجم (العين) أصلا ، وما عداه فرعا ، وتبين لي أن الخليل أورد معاني تلك الكلمات التي توقفنا أمامها إما تصريحا أو تلميحا ، وفي غالب الأحيان كانت معاني تلك الكلمات تأتي صراحة. وقصدت استخدام (العين) قصدا حتى يكون ذلك توثيقا للنص من ناحية أخرى ، فاستخدام الخليل لتلك الكلمات ومعالجتها وذكرها في معجمه قرينة على
__________________
(١) تحقيق النصوص ونشرها ٣٥ ، ٣٦.
(٢) المصدر السابق ٣٥.