٢ ـ شخصية الخليل من خلال منظومته
تشير كتب التراجم إلى أنّ الخليل كان زاهدا في الحياة فقيرا لا يأخذ العلم وسيلة للتكسب.
فابن عماد الحنبلي يصفه بأنه «كان من الزهد في طبقة لا تدرك حتى قيل إن بعض الملوك طلبه ليؤدب له أولاده فأتاه الرسول وبين يديه كسر يابسة يأكلها فقال له : «قل لمرسلك ما دام يلقى مثل هذه لا حاجة به إليك» (١) ولم يأت الملك.
ويقول صاحب كتاب أعلام العرب (٢) : «أنقطع الخليل إلى العبادة والزهد فاكتفى من العيش بالقليل حتى قال النضر بن شميل عنه : «أكلت الدنيا بعلم الخليل بن أحمد وكتبه ، وهو في خص لا يشعر به».
وقد نقل ابن خلكان قول النضر بن شميل عن الخليل أنه لم يكن يقدر على فلسين ، وأن الخليل كان يقول : «إني لأغلق عليّ بابي فما يجاوزه همّي» (٣).
وهذه الصورة نفسها من الوحدة والانقطاع عن الدنيا هي التي يصورها ياقوت الحموي (٤) بل إن أحد المؤرخين (٥) يصفه بأنه كان أشعث الرأس شاحب اللون ، قشف الهيئة متمزق الثياب متفلع (متشقق) القدمين كان يخرج من منزله فلا يشعر إلا وهو في الصحراء ولم يردها لشغله بالفكر.
وإذا كان الخليل زاهدا متقشفا عن متاع الدنيا الزائل لا يلقي لمباهجها بالا ولا يقيم لزخارفها وزنا ، يرفض أن ينغمس في ترك الدنيا ومساوئ نعيمها ، مؤمنا بزوال لذائذها وانقطاع أسبابها يرغب عنها خداعا زائفا ومتعة عاجلة عابرة وحطاما فانيا. أقول إذا كان الخليل بهذه الدرجة من الزهد فلا أظن أن يترك نفسه لتتمزق ثيابه وتتشقق قدماه
__________________
(١) شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي الجزء الأول. ص ٢٧٦.
(٢) عبد الصاحب عمران الدجيلي ، كتاب أعلام العرب في العلوم والفنون ، ص ٦٩.
(٣) وفيات الأعيان لابن خلكان تحقيق إحسان عباس ، المجلد الثاني ص ٢٤٥.
(٤) معجم الأدباء ١١ / ٧٢ ـ ٧٥.
(٥) الشريشي في كتابه (شرح المقامات الحريرية) ص ٢١٣ ، وانظر النص في الأعلام للزركلي في ترجمة الخليل.