والملاحظ أيضا من خلال البحث في تراث الخليل وأقواله أن المأثور النثري عن الخليل يعطي هذا الانطباع.
فقد نقل صاحب إتحاف الأعيان (١) عن الخليل قوله : ثلاثة تنسينى المصائب : مرّ الليالى ؛ والمرأة الحسناء ومحادثات الرجال» بل وينقل لنا المؤلف نفسه شعرا للخليل يحمل رقة مشاعره قائلا (٢) : وللخليل ثلاثة أبيات على قافية واحدة يتفق لفظها ويختلف معناها وهي :
يا ويح قلبي من دواعي الهوى |
|
إذ رحل الجيران عند الغروب |
اتبعتهم طرفي وقد أزمعوا |
|
ودمع عيني كفيض الغروب |
بانوا وفيهم طفلة حرّة |
|
تفترّ مثل أقاحي الغروب |
والمتأمل لتلك الأبيات وللبيت رقم ٢٠٩ من منظومة الخليل النحوية والذي يقول فيه :
وتقول إنى قد مررت بطفلة |
|
بيضاء تستلب النفوس وتخلب |
أقول : إن المتأمل يجد نوعا من الانسجام بين القولين ، فهو يقول «طفلة حرة» ، ثم يقول «مررت بطفلة بيضاء» فالطفلة جاءت رمزا للمتغزّل فيها في الاثنين ولعل ذلك التوافق يؤدي إلى القول : بأن ثبوت أحد النصين للخليل يثبت النص الآخر له أيضا.
إن النماذج والأمثلة النحوية الواردة في منظومة الخليل لتدل دلالة كبيرة على طبيعته التي يتحدث عنها المؤرخون ، فإننا لواجدون في قصيدته ما يجعلنا نوقن بالشق الأول حين يقول في المنظومة (البيت ١٩٩).
__________________
(١) إتحاف الأعيان : سيف البطاشي ١ / ٦٦. وانظر معجم الأدباء لياقوت الحموي ١١ / ٧٢ هامش.
(٢) إتحاف الأعيان ١ / ٦٥.